رجعية عربية من طراز جديد

مفهوم "الرجعية" في السياسة غربي المنشأ، فرنسي على وجه الدقة (بالطبع لا يعني ذلك أنني ضليع في الثقافة الفرنسية)، ثم انتقل الى باقي الثقافات ومنها ثقافتنا حيث لاقى عندنا كثيراً من الهوى، وقد توسعنا في استخدامه.
ما حصل أن كل بلد اختار الظواهر والحالات والقوى الاجتماعية الخاصة به والتي رأى أن مفهوم الرجعية ينطبق عليها، فقد تم تصنيف النازية في اوروبا على أنها رجعية، وقبل ذلك تم إطلاق المفهوم على القوى الموالية لسلطة الكنيسة والاقطاع.
في عالمنا العربي، يوجد الكثير من تطبيقات المفهوم، وأشهر الرجعيات في الثقافة السياسية العربية هي ما كنا نسميه الرجعية النفطية أو الخليجية. كما أطلقنا المفهوم على كل القوى التي وقفت ضد التقدم والاستنارة وأيدت الماضي بالمطلق، ومنها تلك القوى الاجتماعية والسياسية التي تتخذ من الدين غطاء لنشاطها الرجعي سياسياً.
في مرحلة أخرى بالغنا أكثر في استخدام المفهوم الى درجة أصبح الشكل كافياً، ولذلك كنا نتحدث عن شخص ذي "هيئة رجعية"، بمقابل شخص ذي "هيئة تقدمية"، وكان هذا الأخير أكثر طرافة في بعض الأحيان؛ لقد سارع "التقدمي" الى نزع غطاء رأسه وارتداء الملابس الحديثة بشكل يثير التندر أحياناً، وحتى عندما كان يقرر أن يطلق لحيته، كان عليه أن يختار لها شكلاً وتصميماً مختلفين.
هذه المقدمة طويلة، لكي توصلنا الى اليوم، فقد أصبح لدينا رجعية عربية "سوبر"، تلبس أحدث الملابس، أو تغيرها حسب الحاجة وحسب المكان، وتتبنى أحدث الأفكار، وتقتني اللوحات الفنية الشهيرة، وتتقن اللغات، وتتحدث عن التقدم والعصرنة، وتنفق على البحث وانتاج الأفكار الحديثة، بل تقود وتصنع وتموّل "الثورات". ( العرب اليوم )