الأهمية الإستراتيجية لمنظومة صواريخ إس 300 الروسية بالنسبة إلى سوريا
في عام 2011 أوردت صحيفة يديعوت أحرونوت عن خبراء عسكريين أجانب قولهم " إن سوريا بنت في عمق الأرض وتحت غطاء كثيف من السرية قاعدة صواريخ محصنة تتضمن وسائل إطلاق صواريخ باليستيكية نحو إسرائيل عند الحاجة. وبحسب الخبراء فإن هذه القاعدة التي بنيت تحت الأرض هائلة وتتضمن 30 مقراً من الإسمنت المسلح ومصانع إنتاج ومختبرات تطوير ومراكز قيادة وسيطرة . ولقد عمدت سوريا إلى هذه الخطوة نتيجة الوضع السيء الذي يعانيه سلاح الجو السوري وشبه المعطل تقريبا خلال السنوات الماضية ولضعف في أنظمة دفاعاتها الجوية ".
بعد عامين أي بتاريخ 5/5/2013 فجراً قامت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي بالإغارة على هذه القاعدة وقامت بتدميرها.
منظومة صواريخ إس 300 :
منظومة صواريخ ( إس 300 ) هي منظومة دفاع جوي صاروخية بعيدة المدى ( أرض – جو ) روسية الصنع أنتجت من قبل شركة ألماز للصناعات العلمية . ولهذه المنظومة عدة إصدارات مختلفة وقد صمم النظام لقوات الدفاع الجوي السوفياتي ( سابقا ) لردع الطائرات وصواريخ كروز كما تم تطويرها في روسيا مؤخرا لردع الصواريخ الباليستيكية . وتعرف لدى حلف الناتو بإسم ( SA-10 GRUMBLE )
وهي صواريخ أرض جو دفاعية وليست صواريخ هجومية تأتي أهميتها بإعتراف كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية أن الولايات المتحدة لم تستطع حتى الآن تطوير تقنية مضادة لمقاومة هذا النوع من الصواريخ .
ويعتبر هذا النظام إس 300 من الأنظمة القديرة في العالم في ميادين الدفاع الجوي فهو بالإضافة إلى قدرته حسب ما جاء في الموسوعة الحرة على صد وتدمير الصواريخ الباليستيكية فإنه مجهز برادارات قادرة على تتبع 100 هدف والإشتباك مع 12 هدف في نفس الوقت . ويحتاج النظام إلى خمس دقائق فقط ليكون جاهزا للإطلاق وصواريخه لا تحتاج لأي صيانة .
لقد طغت قصة هذه الصواريخ الروسية على سطح الأحداث حين سربت إسرائيل لصحيفة " وول ستريت جورنال " وثائق تثبت أن روسيا على وشك تسليم سوريا صواريخ ( إس 300 ) المضادة للطائرات بعدما سددت سوريا أقساطها في مصرف روسي بناء على صفقة تم توقيعها عام 2010 وتتضمن هذه الصفقة تسليم سوريا ( 6) منصات صواريخ و(144) صاروخا عملياتيا .
لقد أبرمت إيران عام 2007 عقدا مع روسيا من أجل شراء منظومة إس 300 بتاريخ 25/12/2007 . وفي عام 2011 ولقد تم إلغاء هذه الصفقة بعد أن أصدر الرئيس الروسي في ذلك الوقت ( ديمتري ميدفيديف ) مرسوما يحظر تسليم إيران أي دبابات أو مركبات مدرعة أو مدافع من عيار كبير أو طائرات هيلوكبتر قتالية أو سفن حربية أو صواريخ ويحظر المرسوم بشكل خاص تسليم صواريخ منظمة إس 300. علما بأن هناك مجموعة من الدول قد حصلت على هذه المنظومة بأنواعها المختلفة وهي أرمينيا وبيلاروسيا وبلغاريا والصين واليونان وتشيكوسلوفاكيا ( تحولت بعدها إلى سلوفاكيا) وأوكرانيا وفيتنام والهند وكازاخستان والجزائر . وتعمل روسيا على تطوير هذه المنظومة بمنظومة أكثر تطورا وتقنية هي منظومة إس 400 والتي يقال ان هذه المنظومة قادرة على رصد الأهداف ( الشبحية STEALTH ) والمتوقع دخولها الخدمة الفعلية عام 2015.
الصواريخ السورية:
إنني لم أجد أي معلومات موثقة حول الصواريخ السورية بإستثناء بعض المصادر الإستخبارية الإسرائيلية وبعض المراكز الإستراتيجية وبعض مصادر التسلح .
هناك نحو 200 صاروخ من طراز ( سكود بي) ونحو 80 صاوخ من نوع ( سكود –سي) وكمية غير معروفة من صواريخ ( سكود – دي ) والتي يصل مداها إلى 700 كلم بتزويد من كوريا الشمالية. ولقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن وسائل المتابعة الإسرائيلية قد التقطت عملية إطلاق سورية لصاروخ ( سكود ) محسن ولقد صدر تقرير عن هيئة الخبراء الإسرائيليين أن التعديلات والتحسينات التي أدخلت على الصاروخ جعلته أكثر دقة . وأضافت الصحيفة أن السوريين قد طوروا رؤوسا كيماوية متفجرة لحملها على صواريخ سكود.
كما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر استخبارية إسرائيلية أن سوريا قد تلقت من إيران حوالي 100 صاروخ بر – بحر صيني من طراز "سي 802". يشبه الصاروخ الذي أصاب به حزب الله بارجة الصواريخ الإسرائيلية .
بتاريخ 2/12/2011 أعلن الأدميرال بوبوف رئيس لجنة السياسة الوطنية البحرية معلقا على توريد منظومات "باستيون " الصاروخية الروسية المضادة للسفن إلى سوريا أن تلك المنظومة المزودة بصواريخ " ياخونت " المجنحة بوسعها مواجهة سفن منفردة وحاملة الطائرات والسفن المرافقة لها . ويستطيع صاروخ " ياخونت " حمل رأس مدمر موجه راداريا وضرب أهداف عن بعد 300 كيلو متراً بسرعة عالية جدا . ويأتي تنفيذ تسليم هذه الصواريخ بناء على إتفاقية تم توقيعها عام 2007
التوجه إلى الحل السياسي :
إن سوريا هي بمثابة الملجأ الأخير للنفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط وإن مصالحها السياسية والإستراتيجية والإقتصادية هي نظير إهتمام عالمي ودولي ولا شك بأن إكتشاف الغاز في سوريا في منطقة قارا على الحدود اللبنانية وفي الشواطىء الشرقية للبحر الأبيض المتوسط وعلاقة سوريا المباشرة مع شركة غازبروم الروسية العملاقة وإمكانية تصدير الغاز الإيراني من خلال العراق إلى سوريا وإمكانية بناء أنابيب لتصدير الغاز إلى أوروبا من خلال الموانىء السورية هو أحد أسباب الصراع بين إسرائيل وبين سوريا . كما أن تقارب المصالح بين تركيا وإسرائيل لا سيما إذا تم الإتفاق حول بناء أنبوب الغاز الإسرائيلي ومده عبر تركيا إلى أوروبا بدلا من قبرص واليونان قد أعطى زخما للعلاقة التركية الإسرائيلية على حساب سوريا .
إن روسيا مهتمة بتحقيق التعاون الأمني والإستخباري بينها وبين كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ( التي تضم أكبر جالية روسية خارج روسيا ) وكل الأجهزة الأمنية في دول أوروبا والدول العظمى من أجل إقامة الألعاب الشتوية الأولمبية في مدينة سوشي على ضفاف البحر الأسود هذه المدينة التي بنيت على أشلاء المقاتلين الشراكسة من جمهورية الشابسوغ التي تم تفتيتها وتدميرها وقتل الغالبية العظمى من شعبها وتهجير البقية الباقية في سفن بالية في خضم البحر الأسود غرق من جرائها أكثر من مليون شركسي في هجرتهم القسرية إلى تركيا وشتى بقاع العالم. وإن إنجاح هذه الألعاب الشتوية ألأولمبية عام 2014 تشكل التحدي الأكبر لقيادة الرئيس الروسي بوتين شخصيا وإلى كل الأجهزة الأمنية والإستخبارية الروسية وتؤكد بلا شك سيطرة روسيا على كل الجمهوريات التابعة لها وبالذات الجمهوريات الشركسية والشيشانية والداغستانية .
لقد أكد الرئيس بوتين أن هذه الصواريخ هي صواريخ دفاعية وأنها إذا سُلمت إلى سوريا فسوف يشرف على إداراتها واستخدامها طواقم روسية وأنه لن يتم تسليم أو نقل أي منها إلى حزب الله تحت أي ظرف من الظروف.
إن المخرج الوحيد للأزمة السورية وحفظ ماء الوجه لكل من روسيا والولايات المتحدة هو تحقيق المؤتمر الدولي وتحقيق التسوية السياسية للثورة السورية
إن إصرار روسيا على موقفها في تأييد النظام السوري وقيامها بإتخاذ إجراءات لتعزيز تواجدها الحربي في البحر الأبيض المتوسط . وإعلان القاعدة أن جبهة النصرة تابعة لتنظيم القاعدة قد أرغم الكثير من دول الإتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم مواقفهم من دعم الإئتلاف السوري لا سيما وأن قيادات هذا الإئتلاف هي شخصيات لا تحظى بتأييد القوى الشعبية وغير مرغوب فيها وتفتقر إلى القيادة السياسية ومفروضة من قبل الولايات المتحدة . يقابله تماسك الجيش السوري في الدفاع عن النظام . لا سيما وإن وتيرة العمليات العسكرية للجيش السوري لا زالت في أعلى مستوى من التنظيم والتخطيط ولم نسمع عن نقص في الذخائر أو أي تمرد على مستوى إستراتيجي .
كما أن إصرار إيران على دعم النظام السوري بكل الوسائل العسكرية والمادية وتعزيز التعاون العملياتي بين حزب الله وبين النظام السوري على أرض الواقع قد أكسب النظام السوري زخما على مستوى العمليات الخاصة في مقاومة الجيش الحر والميليشيات المناوئة للنظام.
إن استمرار النزاع هو خسارة للشعب السوري وللأردن ولبنان . كما أن الإرتفاع في عدد الضحايا المدنيين قد أحرج الدول العظمى ودول الإتحاد الأوروبي وكافة المنظمات الإنسانية التي تعني بحقوق الإنسان وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي .
كما أن وقوع الخلاف بين الدول العربية والإنشقاق على مستوى الأهداف بين مؤيد إلى حل عسكري وحل سياسي قد أدى إلى إعادة النظر في نوعية الدعم العسكري للجيش الحر وللإئتلاف السوري وللمنظمات المختلفة.
وإنه لمن المؤلم والمؤسف أن نعترف بأن الدول العربية قد فشلت في إيجاد أي حل للحرب القائمة في سوريا والتي راح ضحيتها ما يزيد على الثمانين ألف قتيل وتشرد من جرائها أكثر من مليون وثلاثمائة لاجىء قد يصل عددهم إلى ثلاثة ملايين في نهاية هذا العام . وإنه من المؤلم أن يتم فرض الحلول من قبل الدول العظمى بين الولايات المتحدة وروسيا وبموافقة إسرائيلية خارج نطاق الدول العربية .