عادل نعيسة: نموذج وطني للمعارضة السورية
(بعد 25 عاما في السجون السورية، يقول نعيسة إن "التشفي" بالحكم للأزمة التي يمر بها "ترف لا أملكه الآن"، لأن الوطن أسمى من كل الأشخاص والأنظمة والثارات السياسية، وعلينا أن "نحاول إنقاذ الزورق حتى نعبر بأمان"، بحل سياسي للأزمة عبر الحوار)
بقلم نقولا ناصر*
عادل نعيسة المفرج عنه عشية انفجار الأزمة بعد خمسة وعشرين عاما في السجون السورية هو عضو رئاسة "الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير" المعارضة في سورية، بالمشاركة مع لجنة وحدة الشيوعيين (حزب الإرادة الشعبية) والحزب السوري القومي الاجتماعي – جناح الانتفاضة، وهو المتحدث الرسمي باسم الجبهة، وممثلها في "ائتلاف قوى التغيير السلمي" المعارض.
وقد لفت الانتباه إليه مؤخرا النداء الذي وجهه في الحادي عشر من الشهر الجاري "إلى السوريين كافة"، ومنهم "الذين حملوا السلاح بوجه الحكومة، للانضمام إلى الألوية التي أعلنت الجبهة عن تشكيلها لتوحيد طاقات السوريين كافة" في إطار "حرب التحرير الشعبية" للجولان، مناشدا كل "أبناء سورية .. توجيه البنادق إلى الاحتلال الإسرائيلي العدو الحقيقي للسوريين جميعا".
وكانت الجبهة قد أعلنت قبل يومين قرارها بتأليف "ألوية الجبهة الشعبية للتحرير" وإنشاء "القيادة العسكرية لتنفيذ هذه المهمة" و"فتح باب التطوع" أمام الجميع للانضمام إليها، بعد أن "أثبتت تجربة الأربعين سنة الماضية صحة خيار حرب التحرير الشعبية وليس خيار التسوية السلمية الدولية" كما قال نعيسة.
وقد انفردت هذه الجبهة من بين كل مسميات المعارضة السورية بالجمع بين "التغيير"، الذي يجمعها، ظاهريا في الأقل، مع الدول الغربية والخليجية المسماة ب"أصدقاء سورية"، وبين "التحرير" الذي سوف يستعدي كل هؤلاء الأدعياء بالصداقة من أصدقاء دولة الاحتلال الإسرائيلي على أي فصيل معارض يتبنى "التحرير" شعارا له.
فمن هو عادل نعيسة ؟
بعد أن أمضى (25) عاما من دون محاكمة في سجون ما يصفه ب"الدولة الأمنية" في سورية، أفرج عن القيادي البعثي المخضرم عادل نعيسة عشية انطلاق الحراك الشعبي من أجل التغيير والإصلاح، ليسارع إلى الانضمام للحراك، وليكتشف سريعا عسكرة الحراك، ليشهد، كمشارك في الحراك، أنه تسلح في أيامه الأولى بأسلحة بسيطة "لا تسقط النظام لكنها تستدعيه".
وليكتشف، كما قال، سيطرة المطالبين بالتدخل العسكري الأجنبي عليه، استقواء بذات القوى الغربية والإقليمية المسؤولة عن رعاية المشروع الصهيوني وعن زرع دولته في فلسطين المحتلة وعن استمرار الهيمنة الأمريكية على الوطن العربي كحاضنة لضمان أمن هذا المشروع ودولته.
ويكتشف كذلك الشعارات الطائفية والمذهبية التي خطفت قواعد الحراك الشعبية المتضررة من الهيمنة الأمنية على الحياة ومن سياسات العولمة والخصخصة التي قلصت دور القطاع العام في قيادة الحياة الاقتصادية وقادت إلى انفراط العقد الاجتماعي بين الحزب ثم بين الجيش وبين العمال والفلاحين لتستبدله بالتعاقد مع رأسماليين "جدد" وقدامى، ما حول هذه القواعد ألى وقود في صراع دموي لا علاقة له بمظالمها ومطالبها المشروعة.
ليخلص من كل ذلك إلى أن هذه ظواهر تنطوي على مشروع يستغل الحراك الشعبي لأهداف لا علاقة لها ب"تغيير النظام" وإصلاحه تستهدف سورية كدولة وسيادة وطنية وقرار مستقل ودور إقليمي يتمحور حول مركزية القضية الفلسطينية العادلة وتحرير الأراضي العربية المحتلة ونموذج لانصهار تنوعها الديموغرافي الفسيفسائي في بوتقة وطنية ذات ارتباط عضوي بعمقها العربي.
ليلتقط عادل نعيسة التناقض الرئيسي، فيغلبه على تناقضه الثانوي مع الحكم، ليعلن بأن "التشفي" بالحكم للأزمة التي يمر بها "ترف لا أملكه الآن"، لأن الوطن أسمى وأكبر من كل الأشخاص والأحزاب والأيديولوجيات والأنظمة والثارات السياسية، ولأننا "جميعنا الآن في قلب الدوامة" وعلينا أن "نحاول إنقاذ الزورق حتى نعبر بأمان"، بحل سياسي للأزمة عبر الحوار.
وفي معارضته ل"عسكرة" الحراك الشعبي السوري يكرر الاستشهاد بالثورة الإيرانية التي نجحت في إطاحة الشاه سلميا وشعبيا من دون اللجوء للسلاح بالرغم من جبروت نظامه الأمني وطغيانه واستبداده ودمويته، ويستشهد كذلك بنجاح سلمية الحراك في مصر وتونس.
وفي معارضته الحاسمة للتدخل الأجنبي والاستقواء بالقوى المعادية تاريخيا للأمة ووحدتها وقضيتها في فلسطين يناضل كي لا يتكرر في سورية غزوها العسكري للعراق وليبيا.
وعندما يخير نعيسة بين أن "أقضي بقية حياتي في سجن" الحكم الحالي وبين نظام بديل يحكمه "المشروع القطري" والقوى "التكفيرية والظلامية" فإنه يفضل الخيار الأول.
ويقارن نعيسة بين الوضع المعاشي الراهن المتدهور بسبب العقوبات والحرب على سورية وبين الوضع الذي أعقب العدوان الإسرائيلي عام 1967 الذي لم يتأثر بفضل "القطاع العام".
وهو يشبه الذين يتاجرون بقوت الشعب في الأزمة ومن استفادوا من العولمة والخصخصة، الذين يصفهم ب"الحيتان والعلق"، ثم هربوا وهربوا أموالهم إلى الخارج غداة انفجارها ب"الفئران البيضاء" التي كان قباطنة الغواصات القديمة يتخذون من صعودها إلى السطح بسبب نقص الأوكسجين دليلا عل عطب فيها.
وعن حكم الحزب يقول إن سورية تحولت من "دولة الحزب إلى حزب الدولة"، وعن أحزاب "الجبهة التقدمية" المتحالفة مع القيادة السورية يتفق مع الرأي القائل: "جئنا بهم ليكونوا عونا لنا على قيادة البلد لكنهم سرعان ما أصبحوا عبئا علينا" يتنافسون على امتيازات السلطة، ويجيب ب"قطعا لا" على سؤال ما إذا كان البعث "يجدد" ذاته اليوم، ليضيف "حتى يصلح البعث عليه أولا .. تنحية قياداته الحالية"، لذلك لا مشكلة لديه تحت أي اسم يمارس نضاله الوطني طالما "أعمل بنفس الأفكار والقيم التي أومن بها".
ونعيسة معارض مخضرم، فبعد انتخابه أمينا لفرع الحزب في اللاذقية عام 1966 انتخب عضوا في القيادة القطرية لحزب البعث عام 1968 ليستقيل منها اعتراضا على "السلطة التي باتت تمطر ذهبا" و"امتيازات" لمن يقترب من "مركزها" بعد أن كان يدفع للوزير البعثي "نصف راتب الوزير باعتبار أن بعثيته تكليف وليست تشريفا" كما قال. لكن استقالته لم تنجه من الاعتقال.
ويرى نعيسة أن الاختلافات مع "الحركة التصحيحية" التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد حول "حرب التحرير الشعبية" مقابل "الحرب النظامية" وشعار "التوازن الاستراتيجي" مع دولة الاحتلال الذي تبنته الحركة، وحول دور "الرجعية العربية" كعدو للمقاومة ولشعارات البعث في "الوحدة والحرية والاشتراكية"، وحول الاعتراف بقراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338 ل"إزالة آثار العدوان" الإسرائيلي عام 1967 على دول الطوق العربي الأربعة في الأردن وسورية ولبنان ومصر، وحول دور الحزب وتحالفاته الطبقية، وغيرها من الاختلافات، هي التي قادت إلى اعتقاله ورفاقه في القيادتين القطرية والقومية للحزب ليثبت تطور الأحداث اليوم أنهم كانوا على صواب، في رأيه، لكنه يحرص على الجيش العربي السوري كمؤسسة وطنية كان بناؤها الانجاز الأهم للأسد الأب بقدر حرصه على التحالفات الإقليمية والدولية التي أقامها، في الأقل حتى يتوفر بديل عربي ذو صدقية لها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
* كاتب عربي من فلسطين