البلد كلها بقت حرامية
والبلد ليست كلها حرامية ،ولكنه كلام يقال في وصف حال شاع في مكان ما،وحين تزداد نسبة الجرائم في مجتمع نتيجة إختلال ما يحدث في البنية الأمنية والقدرات التي تمتلكها الأجهزة التنفيذية كما حصل في مصر والعراق وليبيا واليمن وتونس حيث تزداد نسبة الجرائم ويعم الإنفلات الأمني ،فيتحول المشهد العام الى الإضطراب الذي يثير الإستياء، وقد لاتجد المؤسسة الرسمية له حلولا تنهي الأزمة ..في العراق وعند سقوط النظام الحاكم في العام 2003 هجمت مجموعات بشرية بعقل جمعي مضطرب لتنهب دوائر ومؤسسات حكومية ومصارف ووزارات، وقد أطلق على تلك الفترة ( الحواسم) التي جعلت من دوائر الخدمة العامة مرتعا للصوص والقتلة الذين فتحت لهم الأبواب على مصراعيها، وإستمر هذا الحال حتى بدأت الدولة تستعيد عافيتها رويدا .
كنت أسمع لتقرير إذاعي عن محلات بيع الأسلحة المرخصة التي يحتاج إليها المواطنون في المحروسة مصر لحماية أنفسهم بعد تصاعد عمليات الإستهداف المنظم، والتحرش الجنسي، وسرقة السيارات والبنوك والبيوت ،ومن بين الأسلحة المعروفة المسدسات التي تصدر صوتا فقط ولايوجد فيها رصاص قاتل والغرض من إستخدامها إخافة المعتدين وردعهم ،وكان لافتا إن المواطنين في الغالب لم يعودوا يثقون بأجهزة الأمن رغم الجهود التي يبذلها عناصر الجيش والشرطة لفرض القانون، ويعزو مواطن ذلك الى الإنفلات الأمني فهو يرى إن جهود رجال الأمن واضحة ،وهم يلاحقون المجرمين وتجاوزات البعض على القانون، ولكن الإنفلات لم يعد يتيح الفرصة لتبيان الجهود وكشفها، ولهذا فإن مايحصل في مصر هو نوع من الإنفلات العام للأسف، وليس حادثا عابرا هنا ،أو هناك يمكن تجاوزه بيسر ،بل يصعب ذلك لأنه يعم البلاد بأسرها،وتسأل الصحفية التي تعمل على تقرير إذاعي مواطنا، فينتفض في وجهها قائلا ،بالأمس سرقت دراجتي النارية، وحين ذهبت لفتح محضر تحقيق في مركز الشرطة لم يفعلوا لي شيئا ،وقال لي الضابط المسؤول ،أعمل لك إيه البلد كلها بقت حرامية.
بالتأكيد فإن الضابط لم يقصد بالكل جميع الناس وإلا فهو من البلد التي كلها بوصفه حرامية، ولهذا فإن الرجل يقصد بقوله ذاك الإشارة الى إنتشار ظاهرة السرقة وإنفلات الناس عن عقال الأمن والقانون بل وصار البعض لايردع بالقانون، ويتجاوزه لجملة عوامل تدفع بهذا الإتجاه ومن بينها إن الناس تعيش في ظروف قاهرة للغاية ،والوضع الإقتصادي صار الشغل الشاغل لكل العاملين في حقل الإقتصاد والسياسة والأمن وهو مادفع الكثير من المهمشين والفقراء ليكونوا جزءا من مجموعة القتلة واللصوص الذين يؤذون الناس ويسببون لهم المشاكل ويدفعونهم لليأس والإحباط وللإتكال على أنفسهم وقدراتهم الذاتية في حماية أنفسهم من المجرمين الذين يستهدفونهم كل يوم وبلارادع حيث لايجدون حماية من الأمن والشرطة وهذا سبب كاف في أحيان ليتخذ الناس قرارات لاتمت بصلة للقانون لكنها توفر الأمن بطريقة مختلفة.