الرئيس «خائن وعميل»!

تم نشره الأحد 26 أيّار / مايو 2013 02:12 صباحاً
الرئيس «خائن وعميل»!
فهمي هويدي

ماذا يمكن أن يحدث لو أنّ الرئيس محمد مرسي قاضى الذين شبّهوه بالرئيس السابق حسني مبارك، وطالبهم بتعويض مالي جراء ذلك، معتبرا أنّ ذلك التشبيه يسيء إليه ويشوّه صورته داخل مصر وخارجها؟

لم يخطر لي السؤال إلاّ أمس فقط، حين قرأت تقريرا بثّته وكالة الأناضول للأخبار، خلاصته أنّ رئيس الوزراء التركي فعلها، وتقدّم بدعوى إلى القضاء ضد أبرز زعماء المعارضة كمال قليشدار أوغلو طالبه فيها بتعويض قيمته مليون ليرة (450 ألف يورو) لأنه شبّهه بالرئيس السوري بشار الأسد. وهي القصة التي رويتها قبل أيام، حين أطلق الزعيم التركي كلامه هذا في اجتماع للاشتراكية الدولية في بروكسل، الأمر الذي أثار استياء رئيس المجموعة الاشتراكية الديمقراطية بالبرلمان الأوروبي هانز سوبودا، فاضطر الرجل للانسحاب من الاجتماع، ورفض أن يلتقى بعد ذلك بالسيد قليشدار أوغلو ما لم يسحب كلامه أو يصوِّبه.

كانت المناسبة التي دعت السياسي التركي المعارض إلى إطلاق ذلك التشبيه أنّه تطرّق في كلمة ألقاها إلى حادث التفجير الذي وقع فى مدينة الريحانية التركية القريبة من الحدود السورية، ممّا أدى إلى مقتل 51 تركيا (اتهمت المخابرات السورية بتدبير الحادث) وهو يعلق على ما جرى قال السيد قليشدار أوغلو أنّ أردوغان يتحمل مسؤولية التفجير وينبغي أن يشار إليه بحسبانه «قاتلا»، وأضاف أنّه في ذلك لا يختلف كثيرا عن الرئيس بشار الأسد، حيث لا خلاف بينهما سوى في «النبرة» فقط. وهو الكلام الذي أغضب أردوغان واعتبره مسيئا إلى شخصه ومقامه. لذلك رفع محاموه دعوى التعويض المالي لردّ اعتبار رئيس الوزراء وإدانة مسلك الزعيم المعارض.

حين وقعت على هذه التفاصيل قلت إنّ هذا الذي أغضب أردوغان صار الكلام الدارج والمعتاد في وصف الرئيس مرسي، الذي أصبح تشبيهه بالرئيس السابق أمرا مألوفا في وسائل الإعلام. وقد سمعت نقيب المحامين يتحدث عن الرئيس محمد مرسي مستخدما نفس الأوصاف والعبارات التي رددها الزعيم التركى بحق رجب طيب أردوغان، إذ قال عن الرئيس مرسي إنّه لا يختلف ف شيء عن سابقه، فكلاهما مارسا الاستبداد وكلاهما يتحملان المسؤولية عن قتل المصريين. ومن يطالع صحف ومنابر الإعلام المصري يجد أنّ إطلاق مثل تلك الاتهامات أصبح يمثّل الحد الأدنى وأبسط عبارات النقد والغمز التي توجَّه إلى الرئيس مرسي، لأن سيل الاتهامات والانتقادات لم يصبح بلا سقف فحسب، ولكن اللغة المستخدمة ذاتها تجاوزت كل الحدود والأعراف، فهناك أوصاف وإيحاءات جارحة لا أستطيع أن أشير إليها إلاّ من بعيد (مثل إلقاء كميات من البرسيم أمام بيت الرئيس). وقد ترددت على شاشات التليفزيون وفي بعض الكتابات المقولة التي ادّعت بأنّ الرئيس «مجرم هارب من العدالة». ونقلت إحدى الصحف تعليقا لأحد هواة السياسة الذين برزوا مؤخرا وجّه الخطاب فيه إلى وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي قائلا: تحرك يا سيسي ولا تنتظر أوامر الخائن العميل وعصابته في مكتب الإرشاد! (جريدة الدستور 21/5) ورغم أنّ صاحبنا لم يشر صراحة إلى اسم الرئيس مرسي فإنّ أحدا لا يستطيع أن يختلف على أنّه المقصود بالكلام، لأنه الوحيد في السلطة الذي يستطيع أن يصدر أمرا إلى وزير الدفاع.

أرجو أن يعتبر السؤال الذي ألقيته في بداية الكلام افتراضيا، لأنني لست أدعو إلى تحريض الرئيس مرسي وأعوانه كي يتقدموا كل يوم ببلاغات إلى النائب العام ضد السياسيين والإعلاميين الذين لا يعرفون حدودا للنقد والاتهام، وإنّما العكس هو الصحيح حيث أتمنى ألاّ يقحم القضاء في الموضوع من الأساس. وبطبيعة الحال فإنّني لا أدعو إلى تحصين الرئيس أو أي مسؤول في الدولة ضد النقد والمساءلة والمراجعة. كما أنّني لا أنكر أنّ بعض ممارسات الرئاسة وأخطائها لم تكن في مستوى التعبير الصحيح عن قيمة الدولة وهيبتها، الأمر الذي شجّع آخرين على التطاول واستباحة كرامة الرئيس وغيره من المسؤولين.

لكني فقط أقول إنّ كرامة الرئيس من كرامة الدولة، وإنّ انهيار قدسية الحاكم والجرأة في مواجهته ينبغي ألاّ تترجم إلى سلوك يزدريه ويحطّ من قدره، علما بأنّ النقد النزيه هو الذي يقوم على الدليل والحجة دون أن ينزلق إلى مدارج البذاءة والتجريح إلى حد إطلاق أوصاف الخيانة والعمالة على رئيس الدولة أو على أي مواطن عادي. لست أدعو إلى تأييد الرئيس والتصفيق له، لكنني أدعو إلى معارضته بكرامة وشرف. ومن المؤسف أنّ ذلك أصبح مطلبا صعبا في الأجواء الراهنة. ( السبيل )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات