الأمثولة اللحدية!

لن نعود الى الوراء كثيرا، لنعرف كيف تعامل اباطرة وقادة مع العملاء الذين قايضوا اوطانهم وكبرياءهم القومي بالمال او بأي ثمن اخر، فحكايات هؤلاء محفوظة عن ظهر قلب منذ الاسكندر حتى نابليون، والامثولة اللحدية نسبة الى جيش لحد او بمعنى ادق عصابته التي لاذت بالفرار الى اسرائيل بعد تحرير الجنوب اللبناني قد لا تكون الوحيدة في عصرنا، لكنها الابرز، خصوصا في المصائر التي انتهى اليها هؤلاء الهاربون من قدرهم ومن انفسهم ومن وطنهم الى ثكنات غزاتهم، تذكرتهم رغم ان الذاكرة غالبا ما تطرد ما يعلق بها من مشاهد تثير الغثيان. في الجنوب الفرنسي وعلى بعد ساعة من مدينة بوفيليه، حين رأيت عدة عمارات مطلية باللون الابيض، ثم عرفت انها تؤوي ابناء واحفاد الجزائريين الذين تعاملوا مع الاحتلال الفرنسي، ولسبب ما قررت ان اذهب اليهم واصارحهم، فوجدتهم منكسرين، ويشعرون بالضيق النفسي والاجتماعي اضافة الى العار السياسي، رغم ان الاحفاد لا ذنب لهم بما اقترفه الاجداد، ان اقسى ما يمكن ان يوصف به انسان هو انه حفيد خائن، لان جده الذي خان بلاده تحول الى عورة في سلالة، اما مصير هؤلاء فلا يقرره احد سواهم رغم ان موقف بلادهم منهم لم يتغير. عصابة لحد التي لحقت بالغزاة بعد انسحابهم قسريا انتهت هي الاخرى الى مصائر تليق بمن ظن انه إن باع وطنه سوف يشتري بالثمن ولو مترا واحدا في بلد اخر.
في البداية عوملوا كعملاء، وعاشوا على هامش الهامش، ومنهم من استطاع في افضل الاحوال وبعد تقديم الكرامة ضريبة ان يعمل سائق اجرة. وهناك اخرون هاجروا الى امريكا ولو استطاعوا لهاجروا الى المريخ.
بعض ابنائهم يرطنون بالعبرية، ويظنون انهم في مأمن، والحقيقة ان من باع وطنا لن يتورع عن بيع اي شيء بدءا من ابنائه وامه وحتى نفسه، ولا يهمه ما اذا كان المزاد سريا او علنيا.
ورغم متوالية الاحباطات والانكسارات التي عاشها عرب هذا الزمن الا ان الامثولة اللحدية لم تتحول الى مثال قابل للتكرار، وبالتالي يصبح مألوفا لان العربي في ذروة انكساره لا يفقد ذاكرته ويدرك ان من سره زمن ساءته ازمان، وان دوام الحال من المحال لهذا فشل التطبيع بكل مستوياته بين اسرائيل ومصر رغم مرور اكثر من ثلاثة عقود على معاهدة كامب ديفيد.
وثمة مثقفون زاروا اسرائيل او تأقلموا مع الامر الواقع ورطوا ابناءهم وذويهم امام الناس وربما الى الابد امام الباحة الرطبة لتلك العمارات المطلية بالابيض لانه لون راية الاستسلام او لون الكفن. خطرت ببالي مقالة لجان بول سارتر بعنوان من هو العميل؟ كتبها في اربعينيات القرن الماضي اثناء احتلال النازيين لفرنسا، وقال سارتر ان العميل يجب ان يعامل كالشاذ والمختل عقليا، وتلك هي الطريقة التي عامل بها الفرنسيون الاحرار المارشال بيتان عندما اعلن جمهورية فيشي تحت ابط النازية، ولا اجد هنا ادق مما قاله بدر السياب في زمن عراقي لم تكن فيه الخيانة قد اصبحت مشروعة وهو:
اني لاعجب كيف يمكن ان يخون الخائنون
ايخون انسان بلاده؟
ان خان معنى ان يكون فكيف يمكن ان يكون؟؟ ( الدستور )