دافوس والكوربورقراطية
يعقد منتدى الاقتصاد العالمي للمرة السابعة في الاردن ، وهذه المرة يعقد تحت شعار" تهيئة الظروف للنمو والثبات الاقتصادي "، في الوقت الذي يعلن فيه تقرير الامم المتحدة عن استمرار انخفاض وتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي العالمي ، على الرغم من تحسن الظروف المالية الدولية وانخفاض مستوى المخاطر على المدى القصير، واكتساب الاقتصاد الامريكي بشكل خاص زخما في النمو.
يزعم ان المنتدى يركز على تشكيل اقتصاد منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وعلى الانظمة الاجتماعية والحكم فيها ،وانه يناقش اهم التحديات التي تواجه المنطقة، كالبطالة والفقر والشفافية وتفاوت الدخول ،وتطورات القطاع الخاص والبنية التحتية.
ولكن ثمة تساؤلات مثقلة بالشك والارتياب تبرز مع انعقاده ، فهل يعقد دافوس لنصرة ونجدة شعوب العالم الثالث وفقرائه ؟! وحل قضاياه المزمنة والمستعصية المتمثلة في ثالوث الجوع والفقر والمرض ، وحل قضايا البطالة والحكم والسياسة فيه ؟! ام ان عقد دافوس فرصة لقادة العالم وكبار الرأسماليين والمستنيرين في الاقتصاد وزعماء دول العالم الثالث للاجتماع والحوار لتطوير وسائل التعاون والشراكة الاقتصادية المريبة وتوفير حياة اسعد للناس ؟! ام ان دافوس هو العقل المفكر والمدبر للعولمة الرأسمالية يكشف عن تجلياتها وسيطرتها على العالم ؟ هذه العولمة التي حذر منها بل كلنتون بقوله انها تزيد الفجوة بين الفقراء والاغنياء!! ام ان عقده جاء لمناقشة السياسات والاستراتيجيات التجارية لتدعيم اقتصاديات المنطقة من جهة وتحفيزا للحوار وتسهيل بناء شراكات مستقبلية مشبوهة ، وشراكات جديدة لريادة الاعمال والاقتصاد الانتقالي ، ومسايرة لاثر السياق الجيوسياسي المتغير ، والاثار المستجدة والمترتبة نتيجة السياسات الجديدة في المنطقة ؟!! ام لمواجهة التحديات من الاخطار التي تهدد العالم وبناء شراكات عالمية تخدم مصالح كل المجتمعات الفقيرة والغنية؟! وحبذا ذلك . ام يمثل هيمنة الدول والشركات الكبرى على العالم وتحقيق مصالح العالم المتقدم ؟! ام هو قناة من قنوات التطبيع مع دولة العدوان الصهيوني، وتمهيد الطريق امامها للدخول إلى اسواق المنطقة والهيمنة عليها ،وبخاصة ان دافوس يعقد بالتنسيق مع مركز شمعون بيريز للسلام ؟؟!!
ان الحقيقة المرة هي ان الخبراء الاقتصاديين في منظومة تحالف الشركات والبنوك والادارة الامريكية( الكوربورقراطية) ، يقومون بتغيير اساليب اللعبة التي طالما اعتادوا على لعبها وفق متطلباتها وظروفها، هذا التحالف الذي يهدف إلى بناء امبراطورية عالمية تسيطر على اقتصاد العالم ،وتغتال ثرواته وتنهب خيراته الطبيعية ،تحت اساليب شتى ومبررات غير مقنعة ، فتارة يدخلون إلى عقول الحكام من اجل الابتزاز السياسي ، بحجة التنمية والتشغيل ونشر الحرية والديموقراطية، وتارة تحت مظلة الحكم الرشيد وتحرير التجارة وحقوق المستهلك وحرية السوق والعالم المفتوح والسلام والاصلاح ،واليوم يدخلون من ابواب المنتديات والمؤتمرات بحجة مناقشة التحديات التي تواجه المنطقة.
لقد اختلقوا ما سمي حينذاك بالازمة المالية العالمية ،وبنوا عليها آمالهم في السلب والنهب واذلال البشر وكان لهم ذلك ، وقام ويقوم خبراؤهم الاقتصاديون اليوم بتطويع شتى الاساليب لتغليف استراتيجياتهم المشبوهة في النهب الاقتصادي واغتيال اقتصاد وثروات العالم النامي بطرق خبيثة ملتوية ، كاغراق هذه الدول بالديون والقروض المجحفة التي لا يمكن سدادها؛ تمهيدا لوضعها تحت اشراف البنك وصندوق النقد الدوليين ،هذه الشركات الكبرى مثل، هالبيرتون ، وبيكتل، وجاس... وغيرها التي تستخدم للعمل على تسكين اعراض واثار الفقر والجوع ظاهريا ،ولكنها في الحقيقة تسعى لاغتيال اقتصاد البشرية وقتلها دون رحمة ، وابتزاز رؤساء الدول سياسيا في شتى انحاء العالم وبخاصة الدول ذات الاهمية الاقتصادية والاستراتيجية بالنسبة لهم ، كاندونيسيا وكولومبيا وبنما والاكوادور والسعودية وايران.
اذن فما الذي جعل من شركة الفواكه المتحدة الامريكية قوة في القرن الماضي للسيطرة على اميركا الوسطى بكل مزارعها الكبرى في كولومبيا ونيكاراجوا وكوستريكا وجامايكا والدومينكان وغواتيمالا وبنما ؟ وماذا حدث للزعماء الوطنيين في هذه الدول الذين حاولوا الوقوف امام هذه الشركات وانتقادها ؟ وما الذي دفع الاكوادور نحو الافلاس التام في فترة قصيرة ؟! حتى اضطرت لشراء ديونها ببيع غاباتها إلى شركات البترول الامريكية ،حيث كان هذا هو الهدف الرئيس للتركيز على الاكوادور واغراقها بالديون ، ذلك لان الكوربورقراطية "امبراطورية التحالف العالمية" علمت ان مخزون غابات الامازون من النفط يحتوي على احتياطي منافس لنفط الشرق الاوسط!
وما الذي دعا إلى انشاء وكالة التنمية الاكثر غرابة في التاريخ ، وهي اللجنة اللجنةJECOR الامريكية السعودية للتعاون الاقتصادي المعروفة باسم( جيكور) حيث بدأت على اثرها الرحلة الطويلة في تحويل عائدات النفط السعودي إلى الشركات الامريكية؟!!
(ان ما يسعى اليه الانسان السامي يكمن في ذاته هو ، اما الدنيء فيسعى لما لدى الآخرين: كونفوشيوس)