حزب الله والأزمة السورية..الواقع و«الأسطورة»

تخدم “المبالغة” في تقدير حجم ودور حزب الله في الصراع الدامي الدائر في سوريا، عدة أهداف..فهي من جهة أولى تساعد في “تفسير” و”تبرير” التراجعات الحادة التي منيت بها المعارضة المسلحة على أكثر من جبهة ومحور..وهي من جهة ثانية، تساعد في شد “العصب السنّي” الذي بدا أنه تراخى بعض الشيء، منذ إعلان “النصرة” بيعتها للظواهري، وبالأخص بعد الغارة الإسرائيلية على أطراف دمشق..وهي من جهة ثالثة، تساعد في “تجييش” المجتمع الدولي ضد إيران ومحورها وهلالها، على أمل استدراج السلاح والتدخل والمساعدات بشتى أشكالها.
خلال الأشهر القليلة الفائتة، شهدت ساحات المواجهة على مختلف المحاور والجبهات المشتعلة في سوريا، جملة من التطورات الميدانية الهامة، منها: الجيش تقدم في الغوطتين الشرقية والغربية، وسجل اختراقات على جبهة حمص – القصير، فضلاً عن تقدم ملموس على جبهة درعا – الجنوب، إلى جانب عدد من الإنجازات التي لا تقل أهمية على محور حلب إدلب.
التقارير تؤكد ارتفاع معنويات الجيش، واكتسابه مهارات ميدانية في حروب المدن والشوارع، وتمكن القيادة العسكرية من مراجعة خطط انتشارها وعملياتها، وإعادة هيكلة وحداتها وتشكيلاتها المقاتلة..لكن الظاهرة الأهم، التي أمكن تسجيلها خلال هذه الفترة، هي تراجع، حتى لا نقول انتهاء، ظاهرة الانشقاقات العسكرية، فلم يسجل انشقاق أفراد أو ضباط أو وحدات عسكرية تذكر خلال هذه الفترة، بل شهدنا أمراً مغايراً، رأينا مقاتلين من المعارضة المسلحة، يلقون سلاحهم، ويسلمون أنفسهم للجيش عبر وسطاء وقنوات عديدة، تنشط على معظم الجبهات.
لا يعني ذلك بحال، أن المعركة في سوريا قد حسمت، أو أنها في الطريق إلى ذلك..لا يعني ذلك، وهذا هو الأهم، أن اجتثاث المعارضة والانتصار عليها، أمر ممكن..لقد تجاوزت الأزمة السورية هذه النقطة، فإذا كان إسقاط النظام بات متعذراَ جداً لأسباب داخلية وإقليمية ودولية، فإن اجتثاث المعارضة، لا يقل صعوبة وتعذّراً..لكن توازنات القوى على الأرض، باتت مختلة لصالح النظام، أو هي في طريقها لأن تكون كذلك.
تذكروا قبل أشهر قلائل فقط، كان حديث المعارضة المسلحة يدور حول “أم المعارك” في دمشق، معركة الحسم و”المربع الأخير”، ولقد سمعنا قادة الكتائب والتشكيلات، يطلقون الوعود بالانتهاء قريباً من هذه المعركة..لا أحد يأتي على ذكر دمشق هذه الأيام، وقدرة المعارضة على شن هجوم ذي مغزى على العاصمة، باتت ضئيلة للغاية، إن لم نقل معدومة..وكذا الحال بالنسبة لحلب.
في مثل هذه الأوضاع، لا بد من البحث عن تفسير لهذه التراجعات والانتكاسات التي منيت بها جبهات المعارضة العسكرية..أسهل هذه التبريرات هي القول، بأن المعارضة تفتقر للسلاح، مع أن مليارات الدولارات القطرية والسعودية قد أنفقت على صفقات التسلح وتهريبها..وثاني أسهل هذه التبريرات، هي القول بأن “الحرس الثوري” الإيراني وعناصر حزب الله وميليشيا مقتدى الصدر، هي التي تتصدر الصفوف والجبهات، بل والقول أن الجيش السوري لم يعد حاضراً في ميادين القتال، بعد أن أنهك وتفكك وفقد معنوياته، مع أن الواقع الميداني على الأرض، لا يؤيد هذه الرواية على الإطلاق، وإن كان الشك لا يساورنا أبداً، بأن هناك قوات من حزب الله على بعض المحاور والجبهات، وأن هناك دعم لوجستي وتسليحي ومالي واقتصادي إيراني للنظام، وهناك خبراء يقدمون له الدعم والمشورة والخبرات والإسناد..لكن “المبالغة” في تقدير حجم التدخل الخارجي “الشيعي”، و”أسطرة” حزب الله، هي قضية سياسية بامتياز، تسعى المعارضة وحلفاؤها بإثارتها، إلى تحقيق أغراض أخرى.
والحقيقة أن الصراع في سوريا، كفّ منذ أجل عن أن يكون صراعا محلياً..إذ مقابل ما يحظى به النظام من دعم قوي من إيران وحزب الله، فإن المعارضة تحظى بدعم مماثل، فهي تتلقى السلاح والمال والتدريب، هناك غرف عمليات إقليمية ودولية، منتشرة على الحدود السورية مع عدد من دول جوار سوريا، تخطط وتدرس وتدعم وتقترح و”تأمر” كذلك..وهناك عشرات ألوف المقاتلين العرب والأجانب، الذي تطوعوا للجهاد في صفوف جبهة النصرة وشقيقاتها (لا أحد من الخارج يتطوع للقتال إلى جانب الحر مثلاُ).
الأسباب مفهومة تماماً، تتجه الأنظار إلى حزب الله وإيران وبعض الأطراف العراقية، فهذا جزء من منطق (أو بالأحرى لا منطق) الصراع المذهبي المحتدم..لكن القليل من الانتباه يُعطي لمقاتلي النصرة والسلفية الجهادية الذين دخلوا إلى سوريا من جهاتها الأربع..والمؤسف أن منظمات حقوقية دولية، تدعو المقاتلين الأجانب للانسحاب من القصير، لكأن وجود هؤلاء في حلب وريف دمشق، لا ينتهك سيادة سوريا وحقوق إنسانها، فأية معايير هي تلك التي يتعامل بها العالم مع مثل هذه التحديات، علماً بأن غالبية المقاتلين الأشداء في القصير، الذين يتصدون للجيش وحزب الله، هم “الغرباء” أيضاَ، من “الجهاديين” الذي لبسوا أكفانهم ووضعوا أرواحهم على أكفهم، في الحرب على “الروافض” و”النصيريين”.
لم يعد مفيداً، البحث عن براهين وشواهد دالّة على تورط إيران وحزب الله في الأزمة السورية..هم يعلنون انضمامهم للحرب في سوريا، ويضعون الأمر في سياق حرب المحاور المحتدمة في المنطقة..وليس مهماً ما إذا كان عدد “الجهاديين” الذين وصلوا سوريا قد بلغ 40 ألف مقاتل، وفقاً لتقديرات الإبراهيمي، أم دون ذلك، وفقاً للمعارضة وحلفائها..في كل الأحوال، هم أكثر عدداً من مقاتلي حزب الله العاملين على الأرض السورية..لم يعد كل هذا الجدل البيزنطي مهماً، فالحرب باتت مفتوحة، والتدخلات باتت مكشوفة، فإما الذهاب بها حتى نهايتها التي لا يعرف أحد أين تقف، أو أن تنصاع مختلف الأطراف، لمنطق الحوار والحل السياسي والتسويات الإقليمية والدولية، كما ارتسمت في جنيف واحد وفي الطريق إلى “جنيف 2”. ( الدستور )