كسر الجمود وتمتين الجلمود
بين هذا الكسر و هذا التمتين تظل فلسطين المغتصبة رافعة رأسها تحت ظلال عزتها و شموخها و إصرار شعبها على مواصلة هذا الصراع الوجودي ضد العدو الصهيوني المجرم ، هذه هي الفرضية التي لا يمكن لأي إنسان حُر أن يجادل فيها ، أو أن يلتف و يدور من حولها ، فالحق سيعود كاملا و غير منقوصا مهما امتد و طال زمن هذا الصراع ، و هذه هي الحقيقة التي يتوارثها أبناء شعبنا جيلا بعد جيل و بغض النظر عن كل محاولات بعض المارقين المتخاذلين الساقطين لجرهم بعيدا عنها .
آخر محاولات هذه العصابة كانت على مسرح المنتدى الإقتصادي العالمي – دافوس – و الذي عقد اجتماعاته مؤخرا على أرض البحر الميت في الأردن ، و بطبيعة الحال فأية أرض ميتة لا يمكن أن تنجب حياة لأي قضية يمكن أن تبحث عليها ، فلسطينيا كان الرئيس محمود عباس من أول المتحدثين في الجلسة الإفتتاحية ، لكنه ومع كل اسف قفز وبطريقة بهلوانية رخيصة عن كل ما له علاقة بالنكبة الفلسطينية التي لا تزال تشكل الأساس الذي ولدت عليه مأساة شعبنا ، فكسر الجمود مع الصهاينة و بموجب قناعات سيادة الرئيس يتطلب النسيان التام لذكرى النكبة الخامسة والستين ، و التركيز فقط على الذكرى السادسة والأربعين للنكسة .
و هكذا ، وبجرة قلم شطب الرئيس كل ذلك الإمتداد الزمني التاريخي الواقع بين نكبة 1948 و نكسة 1967 ، و بدورنا فإن من حقنا هنا أن نذكر سيادته بأن أحلامه و أوهامه في كسر هذا الجمود لن تمر ما دام جملود شعبنا يقف له بالمرصاد ، و لمن لا يعلم فالجملود هنا هو الصخرة الكبيرة الصلبة المنتصبة على قمة الجبل ، و ها هو الميدان مفتوحا بين الطرفين لنرى لمن ستكون الغلبة في نهاية هذا الصراع .
الرئيس عباس الذي أفلس و بات مكشوفا وعاريا حتى من ورقة التوت التي اعتاد أن يغطي بها عوراته السياسية والوطنية ، ليس غريبا ولا عجيبا عليه أن يتصرف مع نكبة شعبه على هذه الشاكلة ، فكسر الجمود مع الصهاينة الأحباب ، والعودة إلى عبث المفاوضات ، و السلام الفارغ الكاذب هو ما يلهث وراءه و يتسلق على حباله ، و هذا هو الدافع الأساسي و الوحيد الذي يدفعه نحو الإنجرار مجددا إلى أحضان جون كيري وزير الخارجية الأمريكي و الإلتقاء به ثنائيا للمرة الثالثة في عمان و في غضون أقل من أسبوع .
ما هو أخطر اليوم على القضية الوطنية من كل ما يقوله عباس و يفعله جاء ماثلا في مبادرة كسر الجمود التي يقودها و يروج لها تجار سماسرة ممن ينتمون زورا و بهتانا إلى فلسطين ، ففي دورة اجتماعات دافوس الأخيرة برزت نخبة ساقطة من رجال الأعمال و المدراء التنفيذيين الفلسطينيين و بمشاركة من نضراء صهاينة من كبرى الشركات ، حيث قام الطرفان بتوجيه نداء عاجل لحكوماتهم لكسر الجمود الحالي من أجل التواصل لحل الدولتين لإنهاء ما اعتبروه نزاعا بين الشعبين و تحت عنوان " نداء للتحرك نحو مبادرة كسر الجمود " ، و نص المبادرة تم نشره في وسائل الإعلام المختلفة لمن يرغب بالإطلاع على ما هو وارد بداخلها من مهازل .
ليس مهما عندنا من هم اؤلئك الصهاينة الذين اصطفوا الى جانب المطالبة بكسر الجمود ، و لا يعنينا من يقف وراءهم ، و لن نتوقف أبدا عند مراميهم وأغراضهم من وراء نفخ هذا البالون في أجواء دافوس من البحر الميت ، فهم في النهاية أعداء لقضيتنا و لشعبنا ، ما يجب أن يتوقف عنده كل الأحرار و الشرفاء من أبناء شعبنا و قواه الوطنية يتعلق بأولئك الأفراد الذين وعلى ما يبدو قد فقدوا ماء وجوههم و بعد أن شجعتهم و دفعتهم " الساحة الفلسطينية السائبة " إلى ممارسة التصهين العلني و الفاضح ، فإنخرطوا وراء هذه الدعوات المشبوهة التي لا غرض لها سوى احداث المزيد من التفريط والإلتفاف الخياني على الصراع الوطني الذي يجب أن يتواصل بدل أن يتم تبني الدعوات لوقفه تحت ذرائع التفاوض و السلام و دولة الكرتون .
حقا إنهم تجار و سماسرة ، و لا علاقة لما قاموا به بالنضال الوطني ، و لذلك فإن جملود شعبنا المتمثل في صخرة نضاله و مقاومته و كفاحه المشروع ستكون لهذه الشرمذة بالمرصاد ، إن صخرة الصمود التي يحتمي و يتسلح بها شعبنا سوف تسحقهم و لن ترحمهم ، إن مبادرتهم ليست سوى عباءة ذل وعار و خيانة إرتدوها بملئ إرادتهم ، و أما ما في داخلها من سموم فسيأتي اليوم الذيس يتجرعون من كأسها و بعد أن يكسرها شعبنا فوق رؤوسهم .
اكسروا ما شئتم من هذا الجمود الذي تدعون ، و توسلوا و تذللوا و انبطحوا كما يحلو لكم ، اشتروا و بيعوا من هذه البضائع الفاسدة التي رهنتم و نذرتم أنفسكم للمتاجرة بها وعلى حساب تضحيات شعبكم ، لكن إياكم و الإقتراب من فلسطين و قضيتها و شعبها و دماء شهدائها لأنكم ستحترقون من لهيب نارها المشتعلة ، فجلمود شعبنا الذي سنعمل على تمتينه أكثر فأكثر لن يرحمكم و صلابته الكامنة بداخله كافية لتحطيم كل من يحاول العبث معه .