الكبير بذاته ...... وليس بمنصبه
احيانا تختلط المفاهيم وتسود مرحلة من التعمية والجهل ، او التجهيل المتعمد ، بقصد التكسير والقفز فوق ثوابت اجتماعية مجتمعية تشكلت عبر تاريخ طويل ، في المجتمع الاردني، وداخل عشائره وجماعاته ، افرزت هذه التشكلات وعلى زمن طويل ، اشخاصا ، امتلكوا صفات انسانية ، واخلاقية واجتماعية مميزة ، تكونت بفعل تضحيات كبيرة ، ممتدة ، وافنوا حياتهم ، في خدمة عشائرهم وقراهم ، ومحيطهم الاجتماعي ، ونقلوا هذه الصفات الى ابنائهم واحفادهم من بعدهم . فصاروا هؤلاء مثل اعمدة قائمة مثبتة في الارض ، هم قامات اجتماعية تاريخية ، باقية على شموخها وليس من السهل اقتلاعها ..
هكذا تشكل المجتمع الاردني ، عبر القرون الماضية ، وهكذا تشكلت العرب ، بل هكذا تشكلت معظم الامم والشعوب ، ومازالت تسير على هذا النهج ، حدث ذلك في اروبا ، ومازال يحدث ، فالشعب البريطاني مثلا ، مازال مأسورا لطبقة النبلاء ، التي تأسست منذ قرون ، هذا بالرغم من كل مظاهر الحداثة والمدنية والتقدم .
وحاولت المجتمعات الاشتراكية تحطيم هذه المفاهيم والثوابت الاجتماعية ، تحطيما تعسفيا ، فجأة ، الا انها وقعت في فشل مرير ، وانتهت معها الدول الاشتراكية وتلاشت .
وفي مرحلة اختلاط المفاهيم ، قد يبرز من خدمهم الحظ الاداري ، بأي نوع اداري ، فوصل الى منصب رفيع ، وصل وفي قرارة اعماقه مساحة نقص مغلقة ، تشيع في نفسه قناعة بانه ليس اهلا لهذا المنصب ، وانه ، وضمن التقاليد الاخلاقية التي نعرفها في الاردن ، منذ تأسيسه الاول ، وحتى اليوم ، يشعر انه طارئ ، على التقاليد التاريخية للمجتمع الاردني ، فيمضي في منصبه ، متشككا ، وخائفا ، ومترددا ، فيبعده الخوف والتردد عن محيطه الاجتماعي والشعبي ، بدءا من اقاربه وعشيرته وقريته ، فلا يجرؤ على تقديم أي خدمة لهم لا بحكم منصبه ، ولا بحكم علاقاته ومعارفه .. ويبقى معزولا خلال وجوده في المنصب ، محكوما لتلك المساحة الناقصة التي توجهه ، بانه طارئ ، وليس مؤهلا مجتمعيا لهذا المنصب .
وحين يغادرمنصبه ، يتذكر ان له محيطا مجتمعيا ، شعبيا ، ولانه طارئ ، واستثنائي ،ايضا ، سيبقى محكوما بالخوف وعدم الثقة ، والتردد ، فيسعى الى تكسير الثوابت الاجتماعية التاريخية في بلدته ، كي يظل في طمأنينة.. ويبعد عن نفسه عقدة النقص التي تلازمه . فيلجأ الى اساليب التوائية ، تشكيكية ، تسللية ، مصحوبة بعنجهية منفرة ، وبأسلوب ناقص
( ازعر) بعيدا عن الحكمة والاخلاق وحسن التصرف . فيقع في مآزق ومطبات وصدمات ، مثل هذا ، هكذا تمضي حياته ، وهكذ سينطوي على نفسه حتى يتلاشى ، ثم يكنسه التاريخ الشعبي الاردني كنسا ، كما كنس غيره ، بلا اسف . .
التاريخ الاداري الاردني عامر بهذه النوعيات ، فهناك المئات بل الالوف ، الذين تقلدوا مناصب رفيعة ، لم يعرفوا كيف يتعاملوا معها ، ولا مع الناس ، وبعضهم جاء ضربة حظ ، راحوا جميعا في طي النسيان ، رؤساء وزارات ووزراء واعيان ، ووكلاء وكبار موظفين ، مدنيين وعسكريين ، والشعب الاردني لايتذكر الا اولئك الذين كانوا اكبر من مناصبهم ، وكانوا سليل تعامل اجتماعي اخلاقي ، ووطني ، لم يغرهم المنصب ، ولم يبعدهم عن محيطهم الشعبي ، بل استغلوا مناصبهم لخدمة القاصي والداني في محيطهم الشعبي ، كانوا وطنيين بامتياز ، ابناء وطن ، متواضعين ، تواضع الملوك ، والشيوخ ، والوجهاء ، والناس الاحرار الصادقين ، ولنا مثل في ذلك ، فتواضع جلالة الملك عبدالله الثاني ، امام افراد شعبه ، هو تواضع ملكي متوارث ، ابا عن جد ، عبر عائلة ملكية هاشمية تاريخية ، لها ثوابتها وتقاليدها العريقة .
وعلى هذا النهج الاخلاقي التاريخي ، يتعامل الشعب الاردني مع فئات ، مع اشخاص يحترمون انفسهم ويحترمون الناس ، فهم ، قد تربوا هكذا في بيوتهم ، وفي مضافاتهم ، وفي محيطهم التاريخي ، لم يقايضوا على ارض ، او وطن ، او حتى على واجهة عشائرية ، استسلموا بكل ضعف لسلطة المال ونفوذه ، وسيعرف الشعب الثمن الذي قبضوه ثمنا لهذا الاستسلام . وسوف يكنسهم تباعا .
اشخاصا مثل هولاء ، في التاريخ الاداري الاردني ، الذين برزوا على حين غفلة ، الطارئين على اخلاقيات المجتمع الاردني ، وعلى ثوابته التاريخية ، وتسلموا على حين غفلة، مناصب رفيعة ، قد ساقهم النقص والخوف وعدم الثقة الى مسارات خاطئة ، ومدمرة ، ولو ان باحثا اجتماعيا يتقصى في دراسة ، هذه الفئة ، لوجد ان معظم الفاسدين ، المتخاذلين ، لصوص الشعب والوطن ، هم من هؤلاء .
مثل هؤلاء ، وهم جهلة ، لايدركون ، ان من يؤلف كتابا ، او مقالة صحفية ، او ادبية او علمية ، او يساهم مع غيره، في رفعة ثقافية حضارية لمجتمعه ، مهما كام حجمها ، اهم من المناصب السرابية لهؤلاء ، وان مثل هؤلاء الكتاب والادباء والمبدعين ، هم الابقى والاكثر دواما على مر القرون ، هم لايفقهون ذلك ، بل هم في تركيبتهم اعداء ومناهضين لهؤلاء،
اخيرا ، القاعدة الاخلاقية الازلية ، ان من يحترم الناس ، يحدد مكانه ومكانته بينهم!