نضال منصور يكتب: تراجع الحراك وانفلات "البلطجة"!
المدينة نيوز - : كتب نضال المنصور : - بعد أكثر من عامين على بدء ثورات الربيع العربي، فإن الحراك الشعبي في الأردن بكل تلاوينه يخبو وينحسر ويتراجع، ولم تعد الاعتصامات والاحتجاجات تستقطب اهتمام الناس كثيراً، وحتى الإسلاميين فقدوا قدرتهم على الحشد.
هذا الكلام لا يقال شماتة بالحراك الشعبي، ولكن لنؤشر بأن "الإصلاح السياسي" تحت وقع الضغط الشعبي لم يعد قائماً، وبأن أدبيات الإصلاح السياسي التي بدأت بلجنة الحوار الوطني ومخرجاتها أصبحت في "الثلاجة"، والحكم استدار بعيداً عن كل هذا الصخب، وأكثر ما يشغله الملفات الإقليمية وتحديداً ما يحدث في سوريا.
تراجع الحراك الشعبي، وحذر الناس وقلقها من الخروج للشارع له ما يبرره، وتسمعه ليلاً نهاراً من بسطاء الناس، فهم لا يريدون للأردن مصيراً مشابهاً لتونس ومصر وليبيا واليمن، ويخافون حد الرعب مما يحدث في سوريا وتداعياته على الأردن.
يفضلون الأردن بنصف إصلاحات سياسية، وبأزمته الاقتصادية على الخراب والفوضى الذي عصف ويعصف بدول الثورات.
من يستطيع، ومن يريد أن يصغي الآن للشعارات الثورية التي تطالب بتحقيق كل شيء دفعة واحدة، ولا ترى في النظام إلا أخطائه وسوءاته، في ظل الربيع الذي تحول إلى خريف برأي الكثيرين، وفي ظل صعود تيارات مستبدة أكثر من الديكتاتوريات التي رحلت، وقوى متشددة متأهبة للظفر بالسلطة، تكفر الجميع، وتقصي الجميع، وستعيدنا حتماً إلى ما قبل التاريخ!.
على وقع هذه المتغيرات أصبح الحراك في الأردن همساً لا تسمعه إلا في الصالونات السياسية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل خجول في الإعلام.
مسار الإصلاح وعنفوانه وشعارات التغيير تكاد تختفي من الشارع، ولم يتبق سوى اعتصامات مطلبية ومعيشية لا يمكن التقليل من أهميتها، ومن مشروعيتها، ومن ضرورة إنصاف المطالبين بها، وإن كان بعضها استمرار لمحاولات ابتزاز الدولة، لاعتقاد قادتها أنه الوقت المناسب لتحقيق مكتسبات حتى لو كانت غير شرعية!.
وللأسف فإن الحراك الشعبي السياسي الذي تراجع قبل أن ينجز أجندة التغيير المطلوبة، نمت بموازاته سلوكيات ومظاهر لا يمكن وصفها سوى بـ"البلطجة" التي تريد كسر سلطة القانون، وفرض شريعة الغاب، وقانونها الذي يعبر عن مصالحها دون التفات لمصالح الناس والمجتمع.
تراجعت مسيرات الحراك الشعبي، ولكن العنف في الجامعات لم يتوقف، والصدامات بين الناس وحتى مع الأجهزة الأمنية استمرت، وتطورت، وأصبحت تهدد السلم الأهلي، وتظهر الدولة عاجزة عن مواجهتها وردع الذين يقومون بها، بل وتتهم الدولة بأنها من ترعى أحياناً ظواهر الخروج على القانون، وبأنها تريد خلط الأوراق، وزرع المخاوف داخل المجتمع حتى يلوذ بالصمت، وإلا كيف تستمر "الطوش" والشتائم البذيئة في مجلس النواب وسط حالة من التباهي ودون حل أو مساءلة؟.
أتفهم أن يسكن الناس، ويقبلوا بتغيير متدرج بالأردن لأنه الخيار الأفضل، ولكن أرفض أن يستبدل الحراك السياسي بانفلات البلطجية بالشوارع ليسقطوا حكم القانون ويشيدون حكمهم!.