تهافت الدعم النقدي

للدعم النقدي استعمالاته الصحيحة خاصة في مجال استهلاك الضروريات الأساسية لأنه يحول دون الهدر والإسراف في الاستهلاك بسبب الرخص المصطنع للسعر. وفي هذه الحالات لا يسبب الدعم النقدي اختلالات في السوق بل يزيل بعض الاختلالات.
لكن الدعم النقدي تدبير استثنائي لمواجهة حالات خاصة ، ولا يجوز تعميمه وإلا تحوّل أرباب العائلات الأردنية إلى متسولين ينتظرون العطاء من حكومة تعاني من العجز والمديونية وتحتاج لمن يدعمها.
لو كان الدعم النقدي هو الحل فلماذا لا ترفع أسعار الخبز والاعلاف والماء والكهرباء وأسطوانات الغاز مقابل دفع تعويضات نقدية بحيث تتفرغ الحكومة للاستدانة وتوزيع المال المقترض على المواطنين!.
في حالة الكهرباء بالذات فإن اعتماد الدعم النقدي للشرائح الاجتماعية الفقيرة هو أسوأ حل يخطر بالبال ، ذلك أن الدولة هي التي تبيع الكهرباء ، فهل يعقل أن تقول للمواطن رفعنا سعر الكهرباء وبما أنك ستدفع شهرياً ثلاثة دنانير إضافية ، فما رأيك في أن تقبل هذا الإجراء على أن ادفع لك خمسة دنانير شهرياً كتعويض!!.
إذا كانت الحكومة تريد تخفيض الكلفة على محدودي الدخل فلماذا لا تعفيهم من زيادة التعرفة ، أو لماذا لا تخفض التعرفة الخاصة بهم بحيث تقدم لهم الكهرباء مجاناً وترجوهم أن لا يسرفوا في الاستهلاك غير الضروري لمجرد أنه مجاني أو رخيص.
زيادة التعرفة على الكهرباء لا يقصد بها تحقيق أرباح أو إلحاق الأذى بالمواطنين ، بل تخفيض خسائر شـركة الكهرباء الوطنية المملوكة للحكومة ، التي بلغت مديونيتها مليارات الدنانير ، وعجزت عن تسديد التزاماتها ، ولم تعد تجد من يقرضها حتى بكفالة الحكومة ، فما معنى أن تأخذ الدولة من المواطن ثمن الكهرباء نقدأً ثم تعيد له الفرق نقدأً. في هذه الحالة من الاجدى اللجوء إلى المقاصة بين ما على المواطن وما له ، وهو إجراء ممكن عند تحديد تعرفة الشرائح الكهربائية بدلاً من اصطفاف المواطنين أمام فروع بنك الإسكان لتعيد لهم الحكومة جانباً مما أخذته منهم.
الدعم النقـدي وارد لو كان سعر الكهرباء موحدأً على اساس الكلفة لجميع المواطنين ، فيأتي الدعم النقدي لتخفيف العبء عن كاهل الفقراء ومحدودي الدخل ، أما وأسعار الكهرباء متعددة على تسعة مستويات فإن التسعير يمكن أن يراعي بعض فئات المستهلكين لأسباب اجتماعية أو اقتصادية ، وهذا حاصل فعلاً بدلالة أن سعر الكيلو وات على الشريحة الاجتماعية العليا يعادل سبعة أضعاف سعره على الشريحة الدنيا. رفع التعرفة بمعدل 14% للجميع يبقى سلم الأسعار الحالي كما هو ، ويكلف الشريحة العليا سبعة أضعاف كا يكلف الشريحة الدنيا.
يبقى أن الأردن يعتمد كثيراً على المنح الخارجية ولكن الدول المانحة ليست على استعداد لتمويل خسائر دعم الكهرباء. بالمناسبة لماذا لا تدفع الحكومة دعمأً نقدياً لتعويض ارتفاع أسعار الأدوية واللحوم والملابس وأقساط المدارس الخاصة والإيجارات الخ... ( الرأي )