دفاعاً عن مؤسساتنا الدينية .. مرة أخرى

تم نشره الأربعاء 12 حزيران / يونيو 2013 01:23 صباحاً
دفاعاً عن مؤسساتنا الدينية .. مرة أخرى
حسين الرواشدة

شتان بين دعوتين: دعوة لإصلاح المؤسسة الدينية وإعادتها إلى سكتها التي عرفناها قبل عقود، ودعوة أخرى “لهدم” هذه المؤسسة من خلال التشكيك في “مسارها” وتجريح العاملين فيها وفتح الباب “للجرأة” عليها وزعزعة ثقة الناس بها.

الدعوة الأولى - غالبا - ما تلتزم “الحكمة”، تنتقد ولكنها لا تسيء، تنهض لإصلاح “السياسات” ولا تتقصّد حصر المشكلة في الأشخاص، تنصح ولا تفضح، غايتها الحفاظ على هيبة “المؤسسة” وسمعتها وإحياء نوازع الخير في العاملين فيها، ومحاصرة “الاحتراب” الداخلي بين صفوفها، وإدارة الخلافات والاختلافات الناشئة بين “أبنائها”، لا تسعى - أبدا - إلى تصفية حسابات ولا الحفاظ على الامتيازات ولا احتكار الصواب.

أما الدعوة - الثانية - فتتوسد “الدفاع” عن الدين ومواجهة الانحرافات والفساد، ومحاسبة المسؤولين عن الخلل، لكنها في الحقيقة تخطئ في وسائلها، اذا افترضنا حسن النوايا، فتتعمد الى نشر التجاوزات، وانتقاص الإنجازات، وتتصور انها وحدها من يحمي “المؤسسة” ويذود عن حياضها، فيما “الآخرون” يعبثون بها، ويحرفون مسارها ويوظفونها لمصالحهم الشخصية.

على امتداد السنوات الماضية انحزت لـ”أتباع” الدعوة الأولى، لا لكي أدافع عن الاشخاص والانحرافات، ولا لكي “اغطي” على الفساد والتجاوزات، ولكن حفاظاً على “هيبة” المؤسسة الدينية من ان يفقد الناس ثقتهم بها بعد ان فقدوا ثقتهم في كثير من المؤسسات، وايماناً ان الطريق الى الإصلاح يمر من بوابة “النصيحة” لا “الفضيحة” بخاصة في مسألة تتعلق بـ”الدين” الذي يشكل “الملاذ” الأخير للناس.

أدرك - دائما - أن ثمة اخطاء داخل مؤسساتنا الدينية وان “شيوخنا” ليسوا ملائكة بل بشر يصيبون ويخطئون، لكنني كنت استدرك دائما حين اتوجه بالنقد لخطأ هنا أو هناك، بأن “الله لا يحب الجهر بالسوء إلا من ظلم”، وأن ثمة من يتربص “بالمؤسسة الدينية” لتشويهها واقصائها، وأقصر الطرق الى ذلك هو تجريح القائمين عليها والتشكيك بنزاهتهم والنيل من مصداقيتهم وتكسير “صورتهم” لكي يقال إن “الفساد” هنا يبرر الفساد هناك، وإن انحرافات “العمامة” تسوّغ لتجاوزات “الافندية”، كنت أخشى - ايضا - من ان تمتد “الصراعات” داخل السياسة وعلى تخومها الى “المؤسسة” الدينية، فيتصارع “المشايخ” ويتنابزون فيما بينهم، وحينئذ يكون “الدين” هو الخاسر، والدعوة هي الضحية، والباحثون عن أمل في هذا الباعث الوحيد الذي تبقى هم من يدفعون ثمن الخسارة.

صحيح ان “الديني” يتحمل قسطاً من مسؤولية “الخلل” الذي اصاب المؤسسة، لكن الصحيح ايضا ان الدولة والمجتمع هما من يتحمل القسط الأكبر من هذه المسؤولية، وواجبنا هو ان نوازن بين مصلحة التصحيح ومفسدة التشهير، ربما تكون بينهما شعرة دقيقة، فالذين يعتقدون أن اصلاح المؤسسة الدينية لا يتحقق إلا “بإشهار” الأخطاء ومحاسبة المسؤولين عنها وعدم السكوت على انحرافاتهم، يتناسون - احيانا - ان “الفرصة” جاءتهم اكثر من مرة لكنهم عجزوا عن الإمساك بها، ويتناسون ان لهذه “المؤسسة” خصوصية تستمدها من الدين ذاته، بما فيه من قيم سامية تحض على الصبر والحكمة والعدل والموازنة بين الأولويات والمصالح، والدعوة “بالتي هي أحسن”..الخ، أما الذين يعتقدون أن هذا الطريق يفتح باب “الشر” وينزع ثقة الناس بعلمائهم ورموزهم الدينية فيؤثرون “مصلحة” الصمت احيانا على “المنكر” الصغير لكيلا ينشأ عنه منكر اكبر، ويفضلون “الستر” على بعض العيوب لكيلا يدخل “المرض” الى الجسد كله بعد اتساع “الرتق” وشتان يبن التصورين.

بقيت لدي ملاحظة أخيرة، وهي دعوة لكل “علمائنا” المعتبرين الذين يغارون على “مؤسستهم” الدينية أياً كان عنوانها أو اسمها، ان يبادروا الى “تأسيس” هيئة مستقلة “للعلماء” مهمتها حماية هذه المؤسسة والدفاع عنها، وفك الاشتباكات بين “علمائنا”، وغعادة “الصفاء” الى علاقتهم، والأخذ على يد من يسيء، وانصاف من يُظلم (بضم الياء) وتوطيد ثقة الجمهور في “الدين” ومؤسساته وعلمائه.

إن اسوأ ما يمكن ان نتخيله هو ان نسمح “بدك” هياكل مؤسساتنا الدينية وتجريدها من دورها والتشكيك بنزاهة القائمين عليها، واشاعة “الصراعات” الوظيفية بين “ابنائها”.. لقد فعلنا ذلك - للأسف - مع كثير من مؤسساتنا حتى أفقدنا الناس ثقتهم بها.. وجاء الدور على ما يبدو على هذه “القلعة” الأخيرة.. لذا اقتضى التنبيه والتحذير ايضاً. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات