فك الاشتباك بين المرجعيات الدينية

لا أعرف – لجهل مني ربما – الجهة المسؤولة عن اعداد و توجيه الخطاب الديني في الاردن(وغيره ايضا من بلادنا العربية والاسلامية) ، وزارة الاوقاف مثلا لها دور ، دائرة المفتي العام وكذلك دائرة قاضي القضاة لهما دور ايضا ...لكن الى جانب هذه المؤسسات ثمة جماعات ومراكز تعمل بنشاط منقطع النظير في مسالة توجيه الخطاب الديني و التأثير فيه ..بل أن خطاب بعض هذه الاطراف يتعارض الى حد كبير مع الخطاب الديني الرسمي ، وربما يستقطب ويؤثر ويقنع (لا تسأل عن الاسباب) اكثر منه.
في السنوات الأخيرة شهدت ساحتنا الاسلامية ، والمحلية تحديدا ، طلبا على الاسلام ، وانتشرت (ظاهرة التدين) بشكل متزايد ، والملفت أن قطاعات الشباب استأثرت بهذا الاقبال ، ولم تكن المساجد – وحدها- مركزا لمثل هكذا نشاطات، فقد تجاوزتها الى الاسواق و البيوت و الجمعيات التي ساوقت بين العمل الديني و الاجتماعي ، وربما الاقتصادي ايضا ، ومع أن قوانين كثيرة صدرت لضبط المشهد ومحاولة ترشيد الظاهرة ومنعها من الانزلاق الى الفوضى –التشدد والانحراف إن شئت- الا انها لم تفلح في انتاج خطاب اسلامي يناسب توجهات الدولة الاردنية ، او في ترشيد حقيقي لظاهرة التدين بحيث يمكن استثمارها إيجابيا لمصلحة شبابنا ومناهج الاعتدال التى اشارت اليها رسالة عمان التي صدرت قبل نحو ثلاثة اعوام في الاردن.
و المشكلة –هنا- ان ازدياد الطلب على الاسلام ( الدين عموما) لم يجد في المقابل ما يفترض ان يناسبه من عروض مدروسة وحكيمة ومتفهمة ، لمقاصد الاسلام اولا ، ولحاجات الناس و الشباب ثانيا ، ولمنهج الدولة الاردنية المعتدل ثالثا ، لدرجة ان بلادنا – مثلا- دون غيرها لا يتوفر لديها مرجعية دينية واحدة ، ولا مدونات فقهية مطورة تراعي خصوصيتنا وتجيب على اسئلة ابنائنا ، ولا علماء مستقلون يستعان بهم ( لا بمجرد استدعائهم فقط) للمساهمة في رفع سوية الحالة الدينية ، وتوجيهها نحو سكتها الحقيقية ، وهذا وغيره ، افرز ما نخشى منه دائما ، وهو ولادة خطابات متناقضة بعضها يدعو الى التقاعس وبعضها الى الغلو و التشدد ،بعضها تقليدي جامد وبعضها متحرر، بل ان من بين التيارات الدينية من انقسم على نفسه وانتج بالتالي خطابات متضاربة ، لا يتورع احدها عن تكفير الاخر ، وهذه ليست تعددية كما نتصور ، ولكنها تحولت الى ما يشبه الفوضى غير البناءة .
كان يمكن ان تكون رسالة عمان ارضية مناسبة لانتاج خطاب اسلامي للدولة الاردنية مثلا ، وإصداركتب فقهية وثقافية ومناهج دراسية ، وقبل ذلك مرجعية دينية معتبرة ، وكان يمكن الاستعانة بعلماء مشهود لهم بالعلم و النزاهة و عابرون للتناقضات الفكرية المطروحة في ساحتنا ، وكل ذلك لافراز حالة تدين رشيدة وتقديم نموذج حقيقي للاسلام المعتدل ، ومنع محاولات ( التفريخ) التي بدأت تظهر بسبب الاشتباكات بين تلاوين واتجاهات المشتغلين بالدين على شكل جماعات متطرفة–كما حصل في غير دولة - ، لكن ذلك –للأسف- لم يحدث حتى الآن .
لا يوجد اهم ولا اخطر من سلاح “التدين”،واذا لم نحسن التعامل معه بحكمة واستثماره في الاتجاه الصحيح فان كثيرا مما نخشاه سيقع وعندئذ لا نعرف كيف يمكن ان نتصرف؟؟ ( الدستور )