من المكدلة .. الى الفدرلة!!

بدءا ولايضاح ما اعنيه بهذين المصطلحين فان «المكدلة» وهي مشتقة من ماكدونالد اصبحت تعني الحياة المصطنعة، والمضادة لكل ما هو عضوي وطبيعي واصيل، وما يسمى الجانكي فود ليس طعاما سريعا فقط، انه ثقافة شاملة، بحيث يراد للناس جميعا ان يصبحوا متشابهين كالمسامير او قطع الغيار، والمسمار له رأس صغير يصلح فقط لان يدق بالشاكوش في خشب او جدار.
اما الفدرلة فهي الطبعة الثانية المنقحة والمعربة من اتفاقية سايكس - بيكو بحيث تتحول البلدان العربية بدءا من ليبيا الى فدراليات، وما كان لهذه الكعكة الجغرافية ان تكون لينة وطيعة كالعجين لولا ان هناك ثقافة مهدت لها منذ عقود بحيث تم استبدال كل ما هو عضوي بما يشبهه شكلا لكنه عديم الجوهر، والاسلوب الذي اتبع معنا نحن العرب هو نقل التضخم والتعويم من الاقتصاد والاسعار والعملات الى الثقافة والاعلام، بحيث يصبح لكل حارة او قرية الف مطرب ومئة شاعر ومئتي صحفي شرط ان يكونوا نسخا «كربونية» بحيث لا نميز بينهم، وبذلك تسقط منظومة كاملة من القيم والمعايير التي يحتكم اليها في الظروف الطبيعة.
لقد بدأ الامر بالتجريف الذي شمل الذاكرة والمعرفة واخيرا التراب. والاستيطان الاخر الذي لا يرى بالعين المجردة اخطر باضعاف من الاستيطان بمفهومه المادي واستيطان العقل يستهدف اولا تغريب الوعي، وثانيا احلال الاشباه مكان الاصول وثالثا خلق مساحة واسعة من الاهمال واللامبالاة يطلق عليها اسم الحرية، رغم انها من اردأ العبوديات في التاريخ، فالعبيد ان كان بينهم تصنيف او مفاضلة، فان ادناهم هم المزهوون بقيودهم والذين يموتون من البطالة كالنمل في تجربة دارون اذا لم يجدوا سادة يخدمونهم.
كانت مكدلة العالم هي المرادف المعوي لعولمته سياسيا، وتطلب ذلك نزع الدسم من كل شيء لكن ليس بهدف الترشيق المتعلق بالجسد، بل لافراغ الوعي وتصنيع قضايا بديلة لقضايا الواقع الضاغطة على الانوف.
والعالم العربي استجاب على الفور لكل من المكدلة والفدرلة، وتمت مقايضة بين الأثرياء والفقراء هي ببساطة أن يبحث الأثرياء قضايا الفقر والبطالة والجوع، فيما يبحث الفقراء قضايا الايديولوجيا والهوية والطائفة، والحصيلة هي صفر، لأن كل مقال وقع في غير مقامه.
والعالم العربي الذي تشكو نخبه من خطورة التقسيم بدءا من الفدرلة الجهوية حتى خطوط الطول والعرض الطائفية والمذهبية انما يلعن التقسيم علنا ويسبح بحمده سرا، لهذا ليس هناك دفاعات فاعلة ضد هذه الزلازل فالماركسي عاد في اقل من ربع ساعة الى بيت الطاعة الطائفي والقومي الذي بُح صوته وهو يهتف لعروبة تمتد من الخليج الى المحيط معتذرا وقدم طلب انتساب الى عشيرة او طائفة.
نصف قرن من المكدلة لا بد ان ينتهي الى هذا السيرك القومي المفتوح بالمجان على مدار الساعة! ( الدستور )