الحكومــة مرةً أخرى
المشهد الكوميدي الدرامي الذي رافق إقرار الموازنة مع ما إعتراه من لَبْسْ وتشكيك في عدّ الاصوات يُوضح إلى أي مدى وصل الاستخفاف بالمواطن ومؤسسات الوطن الريادية ويعكس مدى التراجع في الحالة السياسية في سياق الانحدار المؤسسي في كافة المجالات التي تمارسها الدولة الأردنية، واصبح العجز هو السمة المميزة للسلطات الريادية وبات واضحاً أن المراهقة السياسية تسيطر على مفاصل القرار بما يؤكد ضرورة الاسراع في اعادة النظر في آلية تشكيل الحكومات وإقرار قانون انتخاب قادر على فرز نخب سياسية على قدر من الكفاءة تعمل على انقاذ البلاد ومحاسبة الحكومات بآلية منهجية تكفل وقف التجاوزات على الوطن وتقديمه على أنه العاجز بكل ما لديه من مقومات النهوض والاستمرار دون مساعدة الغير حتى باتت الدولة أقرب إلى العاجزة عن توفير النفقات الأساسية اللازمة لبقاء واستمرار الكيان الرسمي الأردني .
فعلى الصعيد السياسي لا زالت القوى السياسية تطالب بإصلاحات حقيقية ولا زالت حلقات الحوار التي تتحدث عن الاصلاح تُردد نفس المطالب منذ سنوات ولا زالت كافة القوانيين الناظمة للحياة السياسية بحاجة الى اصلاح جذري والمضحك المبكي أن حلولاً طرحت بتوافقات قوى سياسية فاعلة تمثلت في لجان شكلتها الدولة بإرادة عليا وضَمِنَ جلالة الملك مُخرجاتها أتت عليها حكومات متعاقبة ضربت عرض الحائط كل ما تم إقراره من توصيات ( رغم عدم تلبيتها لكافة الطموحات والآمال ) وأبقتها حبيسة ملفات حفظت على الرفوف وضاع الجهد المبذول لهذه اللجان كالعادة , ليس هذا فقط بل تركت كافة الفعاليات المشاركة مُحبطة يائسة من الخوض في أية حديث اصلاحي بعد أن باتت هذه القوى على قناعة بأن ليست هناك إرادة سياسية للاصلاح ، وأن ما يجري هو اتفاق بين شخوص الدولة على تبادل الأدوار لإجهاض أية مشاريع اصلاحية حقيقية وأن ما جرى من حوار هو لإضاعة الوقت أو لكسبه سيّان فلا أحد يدري ما الذي يدور في اذهان من أرادوا استمرار استفزاز الشارع والنُخب السياسية الحريصة على استقرار وأمن الوطن عدا الوكلاء الحصريون للوطنية من دعاتها الذين حرصوا دائماً على إضاعة البوصلة بالابتعاد عن قضايا الوطن الأساسية والاصرار على الحديث عن الهوية والمواطنة وتعريف المواطن وتخريصات الوطن البديل لبث بذور الفرقة والاختلاف بين ابناء الوطن الواحد رغم وحدة المصير والدم والهدف ذهبوا بعيداً بخيالاتهم ليَخلقوا من الأخوة أعداء ومن الوطن أشلاء ويُذَكّون نار الفتنة التي لعن الله من أيقظها لتتعزز مشاكل الوطن وتتعمق وليزداد الفقير فَقراً والفاسد فساداً، ولتتعاظم قضايا الوطن ككرة ثلج متدحرجة قفزت بالمديونية لما يقارب 19 مليار دينار، و ليتجاوز العجز السنوي .3 مليارات من الدنانير قبل المساعدات ولتقترب المديونية من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن ضربت الحكومات الأربع المتوالية الأخيرة عرض الحائط بقانون الدين العام ما قاد المؤسسات الدولية إلى خفض التصنيف الائتماني للأردن إلى بي بي ما أدى إلى عزوف كثير من مؤسسات الإقراض الداخلية والخارجية عن عقد القروض مع الحكومة ، و أدى إلى رفع معدل الفائدة على قروض الحكومة حتى قاربت خدمة الدين في موازنة العام 2013 من مليار دينار كما أن كثير من السندات المطروحة تمت تغطيتها بالكاد بعد أن كانت تغطي بأضعاف أضعاف قيمة السندات المطلوبة قبل سنتين ولا ننسى تزايد مُعدلات البطالة لهذا العام وتحول جيوب الفقر إلى مدن ومحافظات نتاج سياسات الحكومة الانكماشية في الشأن المالي والإقتصادي والتي ساهمت في ارتفاع نسبة التضخم إلى 7% عن نفس الفترة من العام الماضي وانخفاض معدل النمو ل 1.2 بما يعني انخفاض دخل الخزينة بأكثر من المبالغ المستهدفة والتي تحققت من رفع الدعم عن المحروقات واسطوانة الغاز، كما انخفاض الدخل الحقيقي للمواطن عدا أن التأثير السلبي على تنافسية الصناعة والزراعة والسياحة وقطاع الخدمات بما ينعكس سلباً على زيادة العجز في الميزان التجاري وانخفاض قيمة سلة العملات التي تدعم الطلب على العملة الأجنبية لتغطية حاجة الأردن من المستوردات وتدعم قيمة العملة الوطنية بما يستدعي دعم والحفاظ على مستوى الدخل المتأتي من التصدير و السياحة و الخدمات والعمل على زيادته .
إن الضخ الجائر والهدر المتعمد لموارد الدولة إضافة إلى عجز القطاع العام وقصر نظر الحكومات وغياب الخطط الحقيقية للتنمية أوصلت البلاد إلى حالة من الفوضى الإدارية والمالية والسياسية والأمنية أدت إلى انعدام البدائل بعد أن اصبحت تغطية النفقات الضرورية ( الرواتب وما في حكمها ) تتم بالاستجداء والقروض لتعود البلاد مجدداً إلى مطرقة صندوق النقد الدولي ومصادرة القرار السيادي الأردني ما وضعنا أمام المقامرة بمستقبل الوطن لإرضاء أجندات وطموحات المانحيين ولولا التهديد الروسي الأخير الذي منع الولايات المتحدة من إقامة مناطق عازلة داخل سوريا قريبة من الحدود الأردنية والتلويح بفتح الجبهة الجنوبية السورية لأصبحنا شركاء في المسألة السورية ووضعنا الوطن على صفيح ساخن.
وعلى الصعيد المالي فقد تضاعف عجز الموازنة في خمس سنوات إلى سبعة أضعاف وزادت المديونية 10 مليارات دينار وقفزت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقارب80 % بعد أن توقف العمل بقانون الدين العام ، فإذا كانت الحكومات تُعطل العمل بالقوانيين التي يقرها ممثلي الشعب بإعتبارهم السلطة الأعلى فما جدوى وجود السلطة التشريعية إذا كانت الحكومة هي من تقترح القوانيين ونادراً ما يجري النواب عليها تعديلاً وهي التي تضعها في الثلاجة أو تُعيد تفعيلها أن نصف الكوارث التي تَحل بالبلاد تقترفها الحكومة والنصف الآخر تقترفها المجالس النيابية لأنها تُمرر تجاوزاتها وتعززها بالتصديق والموافقة ، ولا أدل على ذلك من تمرير الثقة في الحكومة رغم اعترافات الرئيس بالشخصنة وتغيب الرأي النيابي الذي كان يجب أن يشارك في اختيار الوزراء جنباً إلى جنب مع الرئيس كما أراد الملك ، وهكذا مرت الحكومة الأضعف في تاريخ الأردن بمباركة المجلس النيابي الذي يدّعي أنه الأقوى .