ظاهرة الانتحار في غزة ودور المسئولين
بين الفينة والأخرى تتحدث وسائل الاعلام المحلية عن انتحار هنا وآخر هناك في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل خاص ، وتنامت هذه الظاهرة بشكل ملفت للنظر ... كان آخر تلك الظاهرة في 30/6/2013 م حيق أفدم الأسير المحرر وسيم بلال معروف من طولكرم على حرق نفسه في رام الله احتجاجا على أوضاعه وأوضاع عائلته الاقتصادية السيئة ، وفي يوم 27/6/2013م ، حيث ذكرت مصادر اعلامية عن اصابة شاب في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة برصاصة بعد اطلاق النار على نفسه ، وقبل ذلك شاب آخر يشنق نفسه ، وثالث يحرق نفسه ، ورابع يطلق النار على نفسه ، وخامس يحاول الانتحار ، وشابة تنتحر بسقوطها من علو ، وآخر يُلقي بنفسه من أعلى برج سكني ، وأقدم شقيقان على حرق نفسيهما احتجاجا على قرار سلطة الاراضي ازالة مصنعهما وإقامة مسجد على نفس الأرض ، وشاب يحرق نفسه داخل الشئون الاجتماعية في جباليا ، ومقتل مواطن بسبب شجار حول تعبئة الوقود ، وآخر يحرق نفسه قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة ... هذا غير حوادث اطلاق النار على المواطنين بسبب الشجار ...
ولا أضخم هنا المسألة ، فصحيح أن هذا الوضع يحدث في جميع مناطق العالم ، وصحيح أن المؤشر البياني لعدد المنتحرين في العالم العربي يدل على ارتفاع النسبة في السنوات الأخيرة
، ولكن ظروف الانتحار والقتل عند الدول الأخرى ربما تأخذ طابعاً آخراً في التعامل معها ، حيث يتم التحقيق و معرفة دوافع الانتحار والقتل ، ويجري معالجتها على الفور ؛ وتستقيل حكومات بسببها ، ويتم وضع الخطط والبرامج للحدج منها ؛ لكي لا تتكرر بقدر الامكان ، خاصة وقد تكررت حالات القتل والانتحار في قطاع غزة بشكل ملفت إلى أن أصبحت ظاهرة مقلقة جدا ، خاصة مع انتشار الفقر والبطالة ، وتدني مستوى المعيشة بين فئات الشباب ، وتفشي الظلم ، واليأس ، وغياب المستقبل ، ووقوع الشباب تحت تأثير الضغط النفسي الكبير بكل الوانه ، والمسئولون لا يضعون خُططا ولا آليات عمل تحد من تلك الظاهرة المأساوية ، ولا يأخذون بعين الاعتبار خصوصية الوضع في قطاع غزة ...
قتل النفس عمدا بسبب الضغوط هو ظاهرة لا بد من وقوف المسئولين الفلسطينيين عندها بشكل دقيق ، وعليهم الاهتمام بها جيدا ، فربما يصل الدور إلى داخل بيوتهم لا سمح الله ... ويجب دراسة تلك الظاهرة ، ووضع الحلول لها من منطلقات انسانية ووطنية ودينية ، وإلا فما هو مبرر وجود المسئولين عندما يُلقي شبابنا انفسهم في أحضان الموت يأساً ، والمسئولون لا يتعاطون مع هذه الظاهرة باهتمام يليق بحجم المسئولية الملقاة على كاهلهم!؟.
قدر شعبنا الفلسطيني أن يتجرع كافة أشكال الموت بدون استثناء ، من دون خطة عمل تُحد على الأقل من ذلك ... فمن موت بالأنفاق بحثا عن لقمة الخبز ، إلى الموت حرقا في بيوتهم بسبب الشموع أو المولدات الكهربائية ، إلى الموت من خلال حوادث العمل ، إلى موت الانتحار ، إلى موت الدراجات النارية ، إلى موت الطائرات والصواريخ الاسرائيلية ، إلى الموت غرقا في البحر أثناء الرحيل المتكرر من سوريا إلى اليونان وقبرص ، أو غرقا على شواطئ غزة بسبب الاهمال ، إلى الموت برصاص الغدر في مخيمات الشتات ، إلى الموت على أيدي بعضنا بعضا مع الأسف الشديد ، إلى الموت بسبب الشجارات العائلية ، إلى الموت الناتج عن حوادث الطرق ، إلى الموت من خلال السقوط في آبار المياه ، إلى الموت المفاجئ الذي باغتنا مؤخرا بشكل ملفت للنظر خاصة بين فئة الشباب ...
فما هو دور المسئولين والمؤسسات المدنية والشخصيات الاعتبارية ومنظمات حقوق الانسان ، وهل قدرنا نحن الفلسطينيون أن نحصد موتا من بعده موت من بعده موت إلى الأبد ، ونحن لا نملك خطة واحدة لنحمي شعبنا حتى ولو من شكل واحد من أشكال الموت تلك !؟.
سُئل ونستون تشرشل يوما وهو في القطار حول موقف العرب من أعدائه الألمان ، وذلك عندما كان رئيسا لوزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية ، وهو الملقب بالأسد البريطاني وكبير البريطانيين ، فقال : أبيدوا العرب فإنهم يؤمنون بالقضاء والقدر ....