المكاسرة السياسية في شوارع مصر
حين فاز الرئيس محمد مرسي بالانتخابات المصرية، أول ما فعله التوجه فوراً إلى ميدان التحرير ليؤدي القَسَمَ إقراراً منه بشرعية الشارع، وبقوة الشباب الذين أطاحوا بحكم الرئيس مبارك، وهو بذلك يقدم الشارع وشرعيته على أي شيء سواه.
و"الاخوان المسلمون" قبل غيرهم يعترفون بأن ثورة 25 يناير ليست صناعتهم وحدهم، بل كانت صناعة كل القوى السياسية والمستقلين، ولا نريد أن نقول بأن دورهم كان محدوداً، وبأن قياداتهم التحقت بميدان التحرير متأخراً، وهذا لا ينفي وجود شبابهم وتفانيهم، مثل كل الذين قدموا التضحيات لرحيل نظام مبارك لأنه لم يستجب لمطالب الشعب.
بعد عام على حكم مرسي وحزب الحرية والعدالة ومن خلفهم جماعة الاخوان المسلمين، خرج الشارع مرة أخرى ليقول للرئيس: نريد انتخابات مبكرة، فأنت لم تنجح في إدارة الدولة.
نفس الإرادة الشعبية التي صنعت الثورة ضد مبارك، والتي احترمها الجميع وتغنى بها، تقول للرئيس مرسي نحن نسحب الثقة والتفويض منك، وبدلاً من احترام الشارع الذي كان "مقدساً" عند الاخوان، دخلنا في سجال الشرعية وصناديق الاقتراع وتشويه الحراك الشعبي بأنه فلول نظام مبارك.
والحقيقة أن معارضة الشارع المصري لحكم الرئيس المعزول محمد مرسي كانت تعبر عن فسيفساء جميع المصريين، الفقراء والغلابى قبل النخب السياسية ورجال الأعمال، ومن المهم التذكير بأن أعضاء الحزب الوطني السابق ليسوا جميعاً فاسدين وحرامية، وإن كان هناك ألف متهم منهم بقضايا فساد واعتداءات، فإن الأغلبية الباقية هم مواطنون مصريون ومن حقهم مباشرة حقوقهم السياسية، ونحن كنا وما زلنا ضد فكرة "اجتثاث" الأحزاب مثلما فعلوا مع حزب البعث في العراق.
إذن؛ تشويه صورة حركة "تمرد" التي قادها شباب هم أنفسهم الذين قادوا ثورة يناير أمر مرفوض، والتشكيك بأعداد الذين شاركوا يوم 30 يونيو، وهل يعبرون عن أغلبية المصريين، يعيد طرح أسئلة من بينها شرعية ثورة يناير ذاتها؟!.
لم يستجب الرئيس مرسي ومن خلفه الاخوان للحراك الشعبي، ورفض فكرة الانتخابات المبكرة، وتمسك بخطابات انفعالية بكرسي الحكم، ولم يبادر لامتصاص احتقان الشارع الذي يثور بعد عام لأنه لا يجد اسطوانة الغاز، ويقف بالطابور لساعات من أجل البنزين، ولا يقوى على دفع ثمن السلع التي يشتريها، فوعوده للناس بالنهضة لم تتحقق، بل ساءت الأمور كثيراً.
تغير الوضع، وتدخل الجيش وعزل الرئيس مرسي، وعين رئيس المحكمة الدستورية رئيساً مؤقتاً لإنجاز خارطة طريق تعتمد على تعديل الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال فترة محددة.
ولن يتوقف الجدل حول تحرك الجيش، فالاخوان يعتبرونه انقلاباً عسكرياً، والقوى الأخرى تعتبره ثورة شعبية ثانية، تدخل الجيش لإسنادها مثلما فعل في ثورة 25 يناير.
الآن مصر أمام لحظة فارقة، والجميع يخشى من دخولها في نفق الاقتتال والحرب الأهلية، خاصة في ظل تصعيد قيادات الاخوان ورفضهم لما حدث، والإصرار على عودة مرسي رئيساً، بعد أن استطاعوا هم أيضاً حشد الملايين في الشوارع، وتحدثوا عن أن الذين خرجوا تأييداً لشرعية مرسي أكثر ممن خرجوا مطالبين برحيله.
لا أحد يعرف إلى أين تذهب مصر، فهناك من يروج لمعلومات عن انقسام في الجيش، وآخرون يشيعون بأن الجيش سيعيد مرسي ضمن صفقة أبرزها الانتخابات المبكرة لاحتواء صدامات أهلية بالشارع، في حين تؤكد أصوات بأن ما حدث قد حدث، وأن "الاخوان" سيعودون إلى الحوار ليدخلوا في المنافسة في الجولة الثانية، وأنهم لن يتركوا اللعبة السياسية لمنافسيهم، ولن يقبلوا أن يعودوا لوضعهم السابق تنظيم سري محظور.
ما يهمنا التأكيد عليه، أن الإقصاء السياسي لأي حزب سياسي مرفوض، وبأن التعامل مع الاخوان من منظور أمني ومحاولة إقصائهم لا يجوز أن يمر أو أن يقبلها أحد، وعلينا إدانة حملة التوقيف والاعتقالات بحق قياداتهم، وأن لا نقبل بمبرراتها.
وأيضاً علينا رفع الصوت عالياً رفضاً لإغلاق القنوات الفضائية المحسوبة على الاخوان، واتهامات التحريض والحض على العنف ذريعة لإيقافها مرفوضة، فهناك قضاء يجب الاحتكام له.
وأخيراً؛ استمرار المكاسرة السياسية بين كل الأطراف في الشارع أمر خطير، والضحية الناس، والخاسر مصر أولاً وأخيراً، ولا حل إلا بالحوار وتقديم التنازلات بدلاً من المواجهات الدامية.