سلطة النخبة الامريكية ونفوذها ...مشاريع قيد التنفيذ
لقد اثبت العالم السوسيولوجي الامريكي س. رايت ميلز ، من خلال استخدام مقياس على المجتمع الامريكي، ان الولايات المتحدة الامريكية انما تسودها قوة ونفوذ القلة او النخبة، وهي جماعة صغيرة نسبيا، تحتل المركز الذي يمكنها من اصدار قرارات ذات اثار كبار ونتائج بعيدة المدى؛ لان قوتها تتصف بالطابع الاقتصادي بصورة اساسية، وان هذه القوة الاقتصادية هي منبع قوتها الاساسية ، ان هؤلاء الافراد على حد قول (ميلز) يملكون المراكز الرئاسية والمنظمات والشركات الكبرى في المجتمع، ويديرون آلة الدولة ،ويدعون لانفسهم مزايا فريدة ،حيث انهم يديرون المؤسسة العسكرية الاميركية، كذلك يشغلون المراكز الاستراتيجية الحساسة للهيكل الاجتماعي الامريكي ،حيث تتركز حاليا كل القوة والثروة ، وهذه النخبة التي هي في قمة الهرم ، تصنع القرارات ، ويرسم لهم مستشاروها الخطط والمشاريع للسيطرة على العالم وتطويعه بكل السبل ،فمن خططها ومؤامراتها الاغتيال الاقتصادي للامم ،بحجة بناء اقتصاد عالمي ومالي واحد، او بناء امبراطورية عالمية تسيطر عليها منظومة الشركات الكبرى "الكوربورقراطية" باساليب غاية في الخدع والمواراة والبشاعة ؛لسرقة ونهب خيرات وثروات الامم وشعوبها ، كما تلجأ الى عمليات غسل الادمغة والاحتواء، باستخدام آليات السوق والتجارة الحرة ، والتوجيه وضبط الافكار والمشاعر العامة؛ بحيث يقتصر دور رجل الشارع في كونه مستهلكا ومتفرجا وليس مشاركا، فقد تمكنت هذه الطغمة من اصحاب المصالح الامريكية ، من تجاوز هذه الاشكالية من خلال غسل ادمغة مستمر، بحيث تؤدي هذه العملية إلى ان يصبح المواطن العادي متمشيا تماما مع مفاهيم هذه القلة الاقتصادية والسياسية ،ضمن ما يعرف "بهندسة الموافقة" ويقابل هذه العملية الداخلية عملية الاحتواء في الخارج وهما عمليتان متكاملتان ومتشابكتان.
ومن مشاريعهما في الخارج ؛ تفتيت وتجزأة العالم الاسلامي وتحويله الى فسيفساء ورقية؛ ليكون فيها الكيان الصهيوني السيد المطاع ، فما يحدث الآن في الدول العربية ، هو تحقيق وتنفيذ للمخطط الاستعماري الذي خططته وصاغته وأعلنته الصهيونية والصليبية العالمية وتشرف على تنفيذه سلطة النخبة او القلة الحاكمة في الولايات المتحدة.
ففي مصطلح "صدام الحضارات" يشير المؤلف فيه إلى فقرة رئيسية في مقال بعنوان (جذور الغضب الإسلامي) ظهر فيها : "هذا ليس أقل من صراع بين الحضارات ، ربما تكون غير منطقية ، لكنها بالتأكيد رد فعل تاريخي منافس قديم لتراثنا اليهودي والمسيحي ، وحاضرنا العلماني ، والتوسع العالمي لكليهما " .
لقد عمل هؤلاء على استنفار القيادة في القارتين الأمريكية والأوروبية ، وبناء إستراتيجيتهم في العداء الشديد للإسلام والمسلمين، لقد ابتدعوا لغزو العراق مبرراته وأهدافه التي ضمَّنت في مقولات "صراع الحضارات " و"الإرهاب الإسلامي". حيث جاء فيها:-
"إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون ، لا يمكن تحضرهم ، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات،وتقوِّض المجتمعات ، ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم ، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية ، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة ؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان ، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم ، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك ، إما أن نضعهم تحت سيادتنا ، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا ، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية ، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قياداتهم الإسلامية - دون مجاملة ولا لين ولا هوادة - ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة ، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها ، واستثمار التناقضات العرقية ، والعصبيات القبلية والطائفية فيها ، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها ".
لقد انتقدوا محاولات الحل السلمي في فلسطين ، وانتقدوا الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان ، ووصفوا هذا الانسحاب بأنه عمل متسرِّع ولا مبرر له ، فالكيان الصهيوني يمثل الخطوط الأمامية للحضارة الغربية – كما يزعمون – و يقف أمام الحقد الإسلامي الزائف نحو الغرب الأوروبي والأمريكي ، ولذلك فإن على الأمم الغربية أن تقف في وجه هذا الخطر البربري دون تلكُّؤ أو قصور ، ولا داعي لاعتبارات الرأي العام العالمي ،كما ورد في صحيفة "وول ستريت" عام 2007 ما يلي:-"يجب ألا ننظر إلى هذا المؤتمر ( مؤتمر انابوليس للسلام ) ونتائجه إلا باعتباره مجرد تكتيك موقوت ، غايته تعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني ، وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية ، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضًا ، كما فعلت أمريكا مع الهنود الحمر من قبل ".
لقد اعتمدت الولايات المتحدة لسياستها المستقبلية المشروع الذي وضعه اليهودي (برنارد لويس) لتقسيم الدول العربية والإسلامية ، وذلك بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعًا ، كلا على حدة ،لتشمل كلا من العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي.. إلخ، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات القبلية والعرقية والدينية والمذهبية والطائفية ، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه، تشمل جميع الدول العربية والإسلامية المرشحة للتفتيت بوحي من مضمون تصريح "بريجنسكي" مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس "جيمي كارتر.
وفي عام 1983م وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع "برنارد لويس"، وبذلك تمَّ تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة، وها قد حان وقت تنفيذه .
ومن تفاصيل المشروع الصهيوأمريكي لتفتيت العالم الإسلامي "لبرنارد لويس" ما يخص مصر(قيد التنفيذ) تجزأتها الى اربع دويلات هي:-
1- سيناء وشرق الدلتا:وتوضع "تحت النفوذ اليهودي" (ليتحقق حلم اليهود من النيل إلى الفرات).
2- الدولة النصرانية: وعاصمتها الإسكندرية،وهي ممتدة من جنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط ،واتسعت غربًا لتضم الفيوم ،وتمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون ليربط هذه المنطقة بالإسكندرية، وقد اتسعت لتضم أيضًا جزءًا من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح.
3- دولة النوبة: المتكاملة مع الأراضي الشمالية السودانية، وعاصمتها أسوان. وتربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان ،باسم بلاد النوبة، بمنطقة الصحراء الكبرى لتلتحم مع دولة البربر التي سوف تمتد من جنوب المغرب حتى البحر الأحمر.
4- مصر الإسلامية: وعاصمتها القاهرة،وتشمل الجزء المتبقي من مصر، و يراد لها أن تكون أيضًا تحت النفوذ الإسرائيلي (حيث تدخل في نطاق إسرائيل الكبرى التي يطمع اليهود في إنشائها).