مصر على أبواب النفق المظلم

المجزرة الدموية التي تمت فجر اليوم وذهب ضحيتها ما يزيد على (54) شهيداً وخمسمائة جريح وهم يؤدون الصلاة، تعد وصفة انتحارية أقدمت عليها القيادة العسكرية الانقلابية، وتشكل دفعاً مرتجلاً لمصر كلها للاتجاه نحو نفق مظلم، ليس له نهاية.

لقد أخطأت القيادة العسكرية مرتين؛ المرة الأولى عندما أقدمت على عزل الرئيس المنتخب وتعطيل الدستور، وحل المجالس المنتخبة، والخطأ الثاني عندما اتخذت قرارها باستخدام العنف والقوة في تفريق المتظاهرين والمعتصمين الذين يطالبون بعودة الشرعية، بطريقة سلمية.

قيادة الجيش المصري ومعها قيادة جبهة المعارضة، لم تستطع قراءة المشهد بطريقة صحيحة، ولم تقف على دروس التحولات الجارية في العالم العربي، وأولها الدرس السوري الدموي البشع الذي أدى إلى تدمير الدولة ومؤسساتها، وإحداث حرب أهلية بشعة نتيجة قرار الحزب الحاكم باستخدام القوة والعنف في إخماد الثورة الشعبية، وعدم الرضوخ للمطالب الشعبية في الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية.

لقد استند هؤلاء الانقلابيون إلى خطة تقليدية تقوم على جملة محاور:

المحور الأول يتمثل بتدشين حملة إعلامية واسعة مدفوعة الأجر، على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي، تهدف إلى تضليل الرأي العام، وتشويه القيادة الشرعية، من خلال التركيز المجهري على بعض الأخطاء وتضخيمها ونشرها وتكرارها، ومن خلال تكرار الاتهامات التاريخية للإسلاميين بالإقصاء وحب السلطة.

المحور الثاني: حشد خصوم الإسلاميين في جبهة موحدة، رغم اختلاف توجهاتهم السياسية ومشاربهم الفكرية، على هدف إسقاط القيادة وإفشالها، وممارسة التعبئة والتحريض للشباب ومختلف الشرائح التي تنتظر التغيير السريع على أحوالها المعيشية ومطالبها الاجتماعية، وممارسة الإصرار على عدم المشاركة وعدم الاستجابة لدعوات الحوار واللقاء، ومواصلة تحريك الشارع وتثويره بشكل مستمر للحيلولة دون الشعور بالاستقرار.

المحور الثالث المتمثل بالمؤسسة القضائية التي صنعت على عين النظام السابق، والتي أصبحت تشكل حجر عثرة أمام استكمال مؤسسات الدولة الرئيسية، وعدم التقدم في مجال إعداد الدستور والتشريعات الرئيسية التي تشكل الخطوة الأولى أمام بناء الدولة الجديدة، فأقدمت على حل مجلس النواب، وإبطال إعلانات الرئيس الدستورية، وحل لجنة تعديل الدستور، وإبطال قانون الانتخابات، وعرقلة محاكمة رموز النظام السابق وتبرئة الذين أقدموا على قتل الثوار في الميدان.

المحور الرابع الذي يتمثل بالمؤسسة العسكرية، التي حاولت منذ البدء إحكام قبضتها على الحكم، وإضعاف موقع الرئيس، بحيث لا يكون قادراً على تسيير قيادة الجيش ولا الأجهزة الأمنية، ويبدو أن خطوة الرئيس الأولى في تغيير قيادة الجيش لم تكن كافية، حيث يقول أحد الخبراء إن هناك حقيقة لا يعلمها كثير من الناس، تتمثل بأن الجيش والأجهزة الأمنية يجري تعبئتها منذ خمسين عاماً على أن الإخوان المسلمين يشكلون العدو الأول للدولة، خاصة الصفوف الأولى من القيادات العسكرية والأمنية، ولذلك تم الاعتماد عليها في تنفيذ مخطط الإنقلاب الذي جرى الإعداد له منذ زمن.

المحور الخامس: يتمثل بالتنسيق مع دول عربية وأجنبية، في مساعدة الإنقلابيين الجدد في توجيه ضربتهم، فهناك دعم مالي، وإعلامي، وسياسي ودعم بالرأي والخبرة، والتنسيق المعلوماتي على مستوى العالم، والإسهام في إفشال الدولة وخلق المشاكل الإقليمية التي تزيد من مأزق النظام المنتخب، وتعرقل خطوات النهوض.

الإنقلابيون الجدد استندوا إلى مخزون الغضب والحقد الذي يملأ قلوب أنصار الأنظمة البائدة والمافيات التي كانت تحيط بها، كما استندوا إلى خوف الأنظمة المرعوبة من عمليات التغيير الشعبي؛ كما استندوا إلى حداثة التجربة لدى الإسلاميين القادمين إلى الحكم من غياهب السجون والمنافي ووقوعهم في بعض الأخطاء، وكانت الخطة تقتضي إيجاد الغطاء الشعبي من خلال الخروج إلى الميادين بحشد كبير يكون متكئاً لخطوة الجيش الانقلابية، ومن هنا جرى إطلاق حملة مسعورة في تضخيم الأعداء، وتغض البصر عن الحشود المضادة، التي شكلت جوهر الحملة الإعلامية الكبرى.

هذه الخطوة الإنقلابية تدفع مصر نحو النفق المظلم الذي سيصبح الجيش والشعب وقوداً لمعركة خاسرة، سوف يشترك في دفع ثمنها كل الأطراف، وكل القوى السياسية على مذبح الخصومة السياسية، والحقد التاريخي الأعمى. ( العرب اليوم )