رمضان ونداء الخير

تم نشره الأربعاء 10 تمّوز / يوليو 2013 02:16 صباحاً
رمضان ونداء الخير
د. رحيّل غرايبة

يأتي رمضان هذا العام، والعرب غارقون في دمائهم، وغارقون في لجة الكراهية والتعصب، ويعيشون الانقسام المجتمعي والتشرذم السياسي، والسير على حافة الهاوية، والشعور بالعجز المتراكم عن التوصل إلى حلول وتفاهمات مقنعة لمختلف الأطراف والقوى السياسية المتجاذبة من أجل إنقاذ مجتمعاتهم وحماية أوطانهم من الأخطار الداخلية والخارجية على حد سواء.

رمضان مناسبة كونية ومحطة مهمة للمراجعة والتقويم وإعادة النظر في كل الأمور على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي، وعلى مستوى الدولة وعلى مستوى الأمة، فعلى المستوى الفردي يستطيع الإنسان إعادة ترتيب بوصلته الشخصية لتكون متوافقة ومتلائمة مع الكون بأكمله، وإعادة ترتيب أوضاعه الروحية والفكرية والسلوكية من أجل إحداث مزيد من التوافق الصحي الشامل الذي يرمم فاعليته في الحياة والمجتمع.

وعلى المستوى الجماعي، على كل الأحزاب والقوى السياسية الدخول في مرحلة المراجعة والتقويم لمشاريعها العملية، ومجمل إنجازاتها في خدمة أوطانها ومجتمعاتها، وأن تقف على أخطائها وقصورها من أجل تصحيحها وتلافيها، وإصلاح مسيرتها، بطريقة علمية جريئة بعيدة عن تكرار أخطائها وتتخطى حدود الجمود والتقليد.

أما على مستوى الأمة فنحن بحاجة بهذه المناسبة، أن نلتف حول خطاب التسامح والتغافر، وأن ننبذ خطاب الكراهية والتعصب وأن نبحث عن عوامل الوحدة والتماسك، وأن نبتعد عن عوامل الفرقة والضعف والانقسام.

نحن بأشد الحاجة إلى نشر مفهوم الإسلام الصحيح الواسع الذي يقوم على المفهوم الحضاري المتقدم الذي يشكل هوية الأمة الجمعية، ويبني مرجعيتها القيمية النبيلة، والقادر على بناء الفرد والأمة، ويحملها مهمة إعمار الكون ويعزز فاعليتها الإنسانية في تحقيق التقدم والإنجازات الحضارية ذات المضمون الأخلاقي الراقي.

في رمضان يجب أن نستذكر حرمة الدم وحرمة النفس الإنسانية، وأن نستذكر مهمة اتباع الأنبياء تتلخص بوقف الفساد والحد من سفك الدماء في الأرض، امتثالاً لقول الله عز وجل ((أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)) -المائدة (32)-. وما ورد في الحديث: "لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً"، فالله عز وجل خص هذه الأمة بهذا الدين وهذه الرسالة، وخصها برمضان من أجل إقامة المجتمع الإنساني المتراحم، المبني على أسس الحرية والكرامة والعدالة والسلم الأهلي، وأن يحققوا ذلك بأنفسهم أولاً والبشرية جمعاء ثانياً.

في رمضان فرصة للمذاكرة والمراجعة في غايات الإسلام وأهدافه وقيمه، من أجل أن يوصي بعضنا بعضاً، بأن من يحمل الفكر الإسلامي وكل من يحمل رسالة الإسلام عليه أن يكون قادراً على تقديمه إطاراً وحدوياً للأمة، ومصدراً لعزتها وقوتها، ولا يكون سبباً في فرقتها وضعفها، وأن لا يجعل الإسلام مادة للخلاف والنزاع داخل الأمة الإسلامية الواحدة، ومادة للصراع الحزبي أو الفئوي أو المذهبي.

الأمة الإسلامية أمة واحدة بكل فئاتها ومكوناتها واتجاهاتها وأعراقها، وغير المسلمين الذي يعيشون فيها، هم جزء منها، وجزء من نسيجها الحضاري والثقافي، وقد أسهموا مع إخوانهم المسلمين في بناء منجزاتها الحضارية على مر العصور والدهور منذ اليوم الاول لميلاد دولة الإسلام الأولى التي استطاعت أن تستوعب كل الأفكار والأديان والمذاهب والأعراق، في إطار الكرامة الآدمية والحرية الشخصية، والاحترام المتبادل، والتوافق المجتمعي على محاربة التعصب الديني والتمييز القائم على الجنس أو اللون أو العرق أو الرأي.

الأحزاب والجماعات التي تنتسب إلى الإسلام، هم جزء من الأمة الإسلامية التي تحاول أن تخدم أمتها وأوطانها من خلال برامج عملية مشتقة من الفكر الإسلامي، وهو مجرد اجتهاد مشروع، معرض للخطأ والصواب، والفشل والإعاقة، وليسوا هم الإسلام ذاته، كما أنهم ليسوا أوصياء على الإسلام، ولذلك فشلهم ليس فشلاً للإسلام، وخطأهم ليس خطأ الإسلام، وإنما هم ينتسبون إلى الإطار الحضاري الواسع للأمة الذي ينتسب إليه مخالفوهم أيضاً.

هل يشكل رمضان مناسبة لتوجيه نداء إلى الأحزاب العربية والقوى الإسلامية، وإلى الكتاب والمثقفين والنخب في هذا الأمة من أجل الشروع في تبني خطاب التوافق والتسامح والوحدة، ونبذ خطاب التحريض والكراهية، وضرورة البحث عن أطر الوحدة والاستيعاب، ووجوب التخلي عن كل ما يثير الفرقة والتباغض والانقسام والدم والفوضى.

هل يمكن لرؤساء تحرير الصحف في عالمنا العربي والإسلامي أن يتبنوا سياسة جديدة واضحة تقوم على معالجة جراح الانقسام السياسي والمجتمعي، والتخلي عن كل ما يثير الأحقاد التاريخية وكل أنواع التعصب الديني والمذهبي، والبعد عن نبش الماضي المؤلم، ومساعدة الجماهير نحو التطلع إلى غد عربي مشرق، من أجل تجاوز هذه المرحلة الخطرة من حياة أمتنا ومن أجل العبور الجمعي الآمن نحو الاستقرار والرفاه. ( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات