رمضان كريم
جلس على حافة الرصيف، يراقب الناس وهم مثل خلية النحل في حركة دائمة. هذا يشتري اللحوم من عند الجزار وذاك يفاصل بائع الخضار وهذه تشتري القطايف وتلك لم يستقر رأيها بعد، إن كانت تفضل القمر الدين على غيره وهكذا ... كل ٌ مشغول بأمره إستعدادا ً لمائدة الإفطار. وبينما هو على هذا الحال، رأى سيدة عجوزا ً ترزح تحت حمل بعض الأكياس الثقيلة. هب وهرع إليها مقدما ً لها خدماته للمساعدة في حمل بعض الأكياس نيابة عنها قائلا ً:
+ "رمضان كريم يا خالتي ... هل أستطيع مساعدتك" ؟؟؟
نظرت إليه بإشفاق وقالت:
- "شكرا ً يا بنيّ ... ولكنك صغير السن ولا تستطيع حمل هذه الأكياس".
+ "لا عليك يا خالتي ... أنا قوي وأستطيع حمل أضعاف هذه الكمية" !!!
- "ما إسمك يا بنيّ وكم عمرك" ؟؟؟
+ "إسمي صبري ... وعمري عشر سنوات".
- "وماذا تفعل هنا في مثل هذا الوقت. المفروض أن تكون مع عائلتك، فموعد الإفطار قد حان".
+ "أعلم يا خالتي ... ولكني لم أتدبر قوت عائلتي لهذا اليوم".
- "لا أفهم ماذا تقصد ... هل عليك أنت بمثل سنك إعالة عائلتك" ؟؟؟
+ "نعم يا خالتي ... فوالدي مقعد جرّاء حادث سير ووالدتي مريضة لا تستطيع مغادرة الفراش ولي شقيقة صغيرة".
- "ومن أين لك يا بنيّ بمثل هذه القدرة والمقدرة". ؟؟؟
+ "أقوم بعون الله ورعايته بمساعدة الناس على حمل أمتعتهم وأغراضهم وأقبل بما يجودون به عليّ".
- "ألست صغير السن على مثل هذه الأعمال الشاقة" ؟؟؟
+ "إن للظروف أحكامها يا خالتي" !!!
- "وكم كان دخلك لهذا اليوم" ؟؟؟
+ "لا شيء ... البعض لا يحمل شيئا ً ثقيلا ً والبعض الآخر يوفر إجرتي".
- "حسنا ً يا بنيّ ... ساعدني بحمل هذه الأكياس" !!!
سارت السيدة العجوز في طريق العودة إلى بيتها والمسكين صبري يسير ويلهث من وراءها تحت حمله الثقيل. ولما وصلا، ناولته بعض القروش. شكرها وهم بالأنصراف لكنها إستوقفته عارضة عليه تناول طعام الإفطار معها فإعتذر قائلا ً:
+ "رمضان كريم ... شكرا ً يا خالتي ... فأنا إن أكلت هنا، فمن يقوم بإطعام عائلتي" ؟؟؟
- "أذا ً ... ٍاُعطيك بعض الطعام لعائلتك" !!!
+ "لا يا خالتي ... شكرا ً لك ... صحيح أننا عائلة فقيرة ولكننا لا نستجدي" !!!
- "أحسنت يا بنيّ ... ما رأيك لو ترافقني كل يوم لتحمل عني أغراض البيت وتستطيع بين الفينة والاُخرى مساعدتي بأعمال الحديقة وغيرها من الأعمال" !؟
+ "لا مانع لديّ ... وسأكون عند حسن ظنك إن شاء الله".
دأب صبري على ممارسة مهام عمله الجديد بكل تفان وإخلاص مقابل بعض القروش، جعلته يشعر، بأن شهر رمضان الفضيل هو شهر الخير والعطاء والمحبة، جعلته ينظر إلى الحياة نظرة يشوبها التفائل بحياة سعيدة وأفضل ما دامت تعج بمثل هذه السيدة الطيبة.
شارف شهر رمضان المبارك على نهايته وجاء يوم العيد. لبس "صبري" أجمل ما عنده من ثياب وذهب لمعايدة خالته العجوز. إستقبلته بكل تأهيل وترحيب وناولته مغلفا ً خطت عليه "إلى ولدي صبري". نظر إليها نظرة إستفهام فأشارت عليه بفتح المغلف. صعق حين وجد بداخله رزمة من الأوراق المالية ورسالة تقول فيها:
"أشكرك يا ولدي صبري ... لقد جعلتني أحس لأول مرة بالسعادة الحقة وبمغزى شهر رمضان الفضيل. أتمنى لك ولعائلتك عيدا ً سعيدا ً وكل عام وأنتم بألف خير" !!!
نظر إليها ليشكرها، فرأى الدمع يتلألأ في عينيها، قبّل يدها علامة الشكر والإمتنان وإنصرف وهو يتمنى لها:
"عيدا ً سعيدا ً يا خالتي ... يعاد عليك بالصحة والسلامة وكل عام وأنت بخير" !!!
وقفت تودعه بنظراتها وأحست بأنها تودع عزيزا ً لديها ولم تشعر إلا والدموع تنهمر من مقلتيها ...
النهاية