محاولة لفهم الاحداث الجارية في مصر

تم نشره الخميس 11 تمّوز / يوليو 2013 12:39 صباحاً
محاولة لفهم الاحداث الجارية في مصر
د. يوسف نور عوض

ظل العالم العربي على مدى أكثر من عامين وهو يتابع الأحداث التي تجري في سورية ، ولكن فجأة بدأ الاهتمام يتقلص بعد أن أدرك معظم العرب أن الصراع الدائر في سورية صراع طائفي ، وعلى الرغم من تأثيره على الدول المجاورة فهو غير مرشح لأن يمتد إلى دول عربية أخرى تعنى بالشأن السياسي أكثر من اعتنائها بالشأن الطائفي ، ولا يعني ذلك أنه لا توجد اختلافات طائفية في بلدان عربية أخرى ، ولكن هذه الاختلافات تتنوع في طبيعتها وتختلف عن تلك الدائرة في سورية ، وهكذا فجأة انتقل الخلاف إلى مصر ليكتسب أهمية خاصة في مختلف أنحاء العالم العربي ، ذلك أن معظم الدول العربية مازالت تعتبر مصر قلب العالم العربي النابض ، وأن ما يحدث فيها لا بد أن تكون له تأثيراته في دول عربية أخرى ، وكان هذا الوضع مستمرا منذ حكم محمد علي باشا مرورا بالحكم الملكي وحكم عبد الناصر خلال ثورة يوليو ، وبالرغم من ذلك لا أريد أن أتخذ مواقف شخصية بل أريد أن أقرأ ما يحدث في مصر مركزا على المقالة التي كتبها رئيس الوزراء البريطاني السابق ‘توني بلير’ في صحيفة ‘الأوبزيرفر’.

بدأ ‘توني بلير’ مقالته بقوله إن تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط هو مسؤولية الجميع وهو مسؤولية بريطانيا أيضا من وجهة نظره ، ويقول يجب أن يدرك الناس في هذه المنطقة أن الغرب سيقف دائما إلى جانبهم .

وذهب ‘توني بلير’ إلى إن الجيش المصري وجد نفسه أمام خيارين ، إما أن يتدخل لإزالة الرئيس محمد مرسي وإما أن تتعرض البلاد لحالة عارمة من الفوضى بحسب رأيه، ذلك أن خروج سبعة عشر مليونا إلى الشوارع ليس حالة عادية، ولو حدث مثل ذلك في بريطانيا فإن الجيش بكل تأكيد لن يتدخل ولكن الحكومة لن تستمر على سدة الحكم .ويقول ‘توني بلير’ إن الإخوان المسلمين في مصر لم يستطيعوا أن يتحولوا من مجموعة معارضة إلى حكومة دولة ،خاصة في ظروف كالتي تواجهها البلاد في حالتها الاقتصادية والخدمية الصعبة ، وقال ‘توني بلير’ إنه قابل قبل فترة قريبة وزير السياحة المصري الذي كانت لديه أفكار جيدة في تطوير القطاع السياحي في البلاد ، ولكن فجأة أزيل هذا الوزير وعين – حاكما للأقصر- رجل ينتمي من وجهة نظره إلى الجماعة المسؤولة عن الهجوم الذي أدى إلى مقتل ستين سائحا في المنطقة عام سبعة وتسعين .

ويقول إن الجيش الآن مواجه بتحدي أن يعيد البلاد إلى حالة ديموقراطية وهذه لن تكون مهمة سهلة في وقت ينبغي أن يكون فيه شخص أو مؤسسة في موقع اتخاذ القرار.

وترد في مقال ‘توني بلير’ جملة مفيدة يقول فيها إن الديموقراطية هي مجرد وسيلة لاتخاذ القرار ولكنها ليست وسيلة لإقرار القرار ، ويذكر توني بلير بمناقشة جرت بينه وبين بعض الشباب المصريين بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك قالوا له فيها إن الديموقراطية ستكون هي الوسيلة لحل المشكلات ، ولكن حين تحدث لهم عن السياسة الاقتصادية التي ستتبعها بلادهم قالوا له إن الأمور ستكون حسنة في ضوء النظام الديموقراطي، ولا شك أن سؤال ‘توني بلير’ كان ذا مغزى مهم بكونه رئيس وزراء سابقا لدولة كبرى ويعلم أن النظام الاقتصادي هو العجلة التي تدور بها الدولة الحديثة ، وقال ‘توني بلير’ إنه من المؤمنين بالحكم الديموقراطي ، ولكن الديموقراطية لن تكون وحدها كافية لتلبية احتياجات الناس ، خاصة في زمن الاحتجاجات إذ هم لا يودون الانتظار حتى تنتخب حكومة جديدة بل يريدون قرارات عاجلة لتلبية مطالبهم. وهذه الاحتجاجات قد تستمر حتى حين تقوم الحكومة بتحقيق تقدم كبير كما هو الشأن في تركيا والبرازيل. ويقول يجب أن لا ننسى أن توقعات الناس تزيد في كل مرة تحقق فيها الحكومات نوعا من النجاح خاصة عند الانتقال من مستوى الدخل المتدني إلى مستوى الدخل المتوسط. وقال ‘بلير’ إن الإعلام هو الذي يلهب مشاعر الناس وعندما تكون هناك حركة احتجاج فإن المطلوب هو أن تستجيب الحكومة لمطالب الشعب ، وعندما لا تستجيب الحكومة لتلك المطالب فإنها تدخل نفسها في مشاكل كبيرة.

وتبدو المشكلة من وجهة نظره في مصر بسبب الاحتجاج على الأيديولوجية التي كانت تتبعها حكومة الإخوان المسلمين وعدم تقبل الحكومة لفكرة الاحتجاج عليها ، وذلك ما فتح من وجهة نظر ‘توني بلير’ نقاشا على مستوى العالم العربي يتركز حول دور الدين في السياسة ، ويذهب ‘توني بلير’ إلى أنه يعترف بأن هناك تنظيما دينيا متقدما للإخوان المسلمين في المنطقة ، ولكن من وجهة نظره فإن هناك تيارا علمانيا ينتظم معظم أفراد الشعب في العالم العربي .كما أن مصر بلد ذو تاريخ عريق ويوجد بها نحو ثمانية ملايين مسيحي ، وبالتالي فليس هناك من وجهة نظره مستقبل لقيام خلافة إسلامية تكون هذه الملايين تابعة لها. ويتساءل ‘بلير’ ماذا يستطيع الغرب أن يفعل الآن وهو يدرك أن مصر لن تتركه وشأنه، ويذهب بلير إلى أن الغرب لا يحتمل أن يترك مصر وشأنها لأنه لا يحتمل سقوط مصر، وبالتالي فيحب من وجهة نظره أن يتعامل الغرب مع الحكومة القائمة ويساعدها من أجل أن توصل مصر إلى صناديق الاقتراع.

أما بالنسبة لسورية فإن توني بلير يتوقع الأسوأ والذي لن يكون مقبولا بأي حال من الأحوال لأنه سيؤدي إلى تقسيم الدولة إلى دويلات بقيام دولة سنية ضعيفة في الشرق مغلقة في اتجاه البحر والثروة السورية، وقد يتولى قيادتها بعض المتطرفين من وجهة نظره ، أما لبنان فسوف يشهد حالة من عدم الاستقرار ، وكذلك سيكون شأن العراق كما سيتعرض الأردن إلى ضغوط كبيرة ما سيترك الرئيس الأسد يعتمد كثيرا على ما يسيطر عليه حزب الله.

وبالنسبة لإيران يقول ‘توني بلير’ إن الرئيس الجديد سوف يحاول أن يتوصل مع العالم إلى اتفاق بشأن طموح إيران النووي. ولكنه فد لا يوفق في ذلك ، وبالطبع لن يتحمل الغرب وجود إيران نووية ، ويرى ‘بلير’ أن هناك تحديات سياسية أخرى تظهر في ليبيا واليمن وباكستان إلى جانب التطرف الذي بدأ يعمل الآن في شمال أفريقيا وفي أفريقيا جنوب الصحراء وأيضا في مناطق أفريقيا الوسطى . ويرى ‘توني بلير’ أن الكثيرين في منطقة الشرق الأوسط يريدون أن يشعروا أن الغرب يقف إلى جانبهم وأنه مستعد لدفع الثمن من أجل ذلك ولكن المشكلة من وجهة نظري – ليست مجرد أزمة سياسية بكونها في جوهرها أزمة سببها غياب الدولة الحديثة في العالم العربي ، ومتى وجدت هذه الدولة فإن كثيرا من هذه المشكلات سوف تختفي بصورة تلقائية .

وإذا نظرنا بصفة عامة إلى موقف الولايات المتحدة وجدنا أنها قررت أن لا تتسرع في قطع المعونات عن مصر حتى تتأكد من طبيعة الانقلاب العسكري،ولكنها في الوقت ذاته تطالب بعودة الشرعية الديموقراطية ، وذلك موقف غريب منها لأنه يعني دعمها لنظام حكم الرئيس مرسي ، وما يبدو واضحا في موقف الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية هو الانتظار حتى التأكد من أن التغييرات الحاصلة في مصر لن يكون لها تأثير على أمن إسرائيل، وإن لم تعلن الولايات المتحدة ذلك صراحة لأسباب دبلوماسية، ويعني ذلك كله أن ما يهم العالم الغربي في كل الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط ـ الآن ـ هو أنها لن تمس الثوابت التي درجت عليها الدبلوماسية الغربية في ما يخص أمن إسرائيل. ( القدس العربي )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات