النائب السنيد يكتب : زيارة ابو قتادة، والسجون التي تلح في الذاكرة
المدينة نيوز -: كتب النائب علي السنيد مقالا حول الزيارة التي قاموا بها الى سجن الموقر للإطلاع على وضع الداعية الاسلامي المتدشدد عمر عثمان المعروف بأبي قتادة.
نص المقال :
قبل عدة ايام خلت كنت وزملاء لي في لجنة الحريات العامة، وحقوق المواطنيين في زيارة لابي قتادة في سجن الموقر، وقد اثرنا ان نتأكد من ظروف اعتقاله، ونقل مطالبه الى السلطات المعنية، وللاطلاع عن كثب على كافة تفاصيل عملية ترحيلة الى الاردن، ولاشعاره ان قضيته قيد اهتمام مجلس النواب،
ومنظمات المجتمع المدني، وهنالك حرص عام على حصوله على محاكمة عادلة في الاردن.
ولنلتقي عن قرب بصاحب القضية الاشهر التي شغلت العالم، وبأحد اقطاب التيار السلفي. وكان لقاء فوق العادة سمحت به ساعات تلك الزيارة المحدودة ، والتي بدأت بمحاولة حرس السجن الصحراوي توجيه الاساءة للنواب من خلال الطلب بالنزول من السيارة وكتابة اسماءهم، ومن ثم جرى العودة عن ذلك الطلب عندما بدأت امارات الغضب تتبدى على وجوه اعضاء لجنة الحريات النيابية وحقوق المواطنيين، والذين يقومون باستمرار بالزيارات التي شملت العديد من السجون والمراكز الامنية في عهد ادارة الامن السابقة، ولم يحدث ان طلبا وجه بهذه الصورة لهم، خاصة وان الزيارة تتم بترتيبات مسبقة من قبل الامانة العامة لمجلس النواب وادارة السجون، وكون النائب جهة رقابية، ويمارس بموجب احكام الدستور مراقبة اعمال السلطة التنفيذية، والاصل ان تعمل ادارات السجون على تسهيل مهمة زيارة النواب لاماكن التوقيف والحجز، وكي يؤدي ذلك الى نقل الصورة المراد ايصالها للشعب عما يجري خلف الاسوار العالية والجدران، والابواب الحديدية الموصودة.
ورجعت بي الذاكرة الى الايام السوداء حيث سجن الجويدة في العام 1997 وكنت ايامها اقضي مدة التوقيف على خلفية القضية السياسية التي حكمت عليها بالسجن بعد ذلك لمدة سنة ونصف السنة ، وتناثرت في ذاكراتي المشاهد، وجاءت كقطع الليل المظلم. تذكرت حفلة الاستقبال التي تعد بمثابة مسطرة التعذيب التي تنتظر السجين خلف الابواب المقفلة والاسوار العالية والتي لا يرى الناس ما يقع وراءها من انتهاكات لحرمة البشر ولحقوقهم، ولكن الله يرى .
كان السجين يقابل بالضرب على بوابة السجن، والذي يتفاوت وفقا لنوع القضية التي جاءت به الى المعتقل، وكان اشد التعذيب يتبدى على اصحاب القضايا السياسية، والذين هم غالبا ما توجه لهم تهم الانتماء لتنظيم غير مشروع، ويقصد بذلك حزب التحرير، والقيام باعمال ارهابية وهي التهم التي توجيه للمنتمين الى السلفية الجهادية، وتهمة اطالة اللسان التي غالبا ما يسجن على خلفيتها اصحاب الرأي في الاردن، وكنت احدهم.
السجن يمارس التعذيب على نوع التهمة، وقبل صدور الحكم ويبقى السجين تحت ضغط الضرب والركل بالكيبلات والعصي والادوات الحديدية والتنكيل في الفترة التي تمارس فيها المحكمة نشاطها مما حدا بالكثير من السياسيين الى تفضيل الاعتراف بالتهم المسندة اليهم حتى يتم الخلاص من حالة التعذيب المستمرة في مهاجع وغرف سجن الجويدة المكتظة بكافة انواع القضايا.
فبعد الترحيب بالضرب المبرح ينتقل السجين الى غرفة الاستقبال حيث يتم بعد ذلك توزيع السجناء على المهاجع والغرف وفقا لنوع القضية، وحجم الواسطة التي يملكها السجين، ولن انسى كلمة شاويش الغرفة في الليلة الاولى، وهو يقول هذه الليلة ستبقى الافضل في الذاكرة بالنسبة الى ما سيلحقها من عذابات تصل حد الجحيم. وفي اليوم التالي يحدث التوزيع حيث السجن ينقسم الى 3 مهاجع كان اسوءها على الاطلاق مهجع ها ، وكان من نصيب السياسيين التوزيع فيه، وتحديدا في الغرفة الاسوء في السجن كله التي تحمل الرقم 18 حيث قضايا القتل والمخدرات وكافة الجرائم الكبرى اضافة الى السياسيين، وهذه الغرفة كانت تضم المجرمين الكبار، وفيها نزلاء حزب التحرير، و الاحزاب الاسلامية واصحاب الرأي من المستقلين.
وهنالك مهجع ج ومهجع د وهما اقل سوءا واقل تعرضا لضرب افراد الامن وحراس الغرف، ومداهمات لواء الامن العام المواجه للسجن الليلية.
كان مهجع ها موئلا للسياسيين ولن انسى ما حييت صرخات الاستاذ زياد غزال ومجاهد محمد طايع واخرين جرى تعذيبهم، وشبحهم وكسر اطرافهم او كسر الفك، وحرق اليد بالمكبس الحراري.
ويساق السجين بالعصي والكيبلات الى شبك الزيارة او الى المطبخ للحصول على وجبة تؤكل مع الاذلال، وحتى الدورس الدينية التي كان يلقيها بعض الوعاظ من الامن العام فيصار الى تجميع النزلاء بالضرب لسماعها، ويستخدم كادر السجن شتى انواع الكلمات النابية، والتي تصلح لأن تكون جريمة هتك عرض حيث السب والشتم بالشرف والاعراض في التعامل مع النزلاء.
وتتطرف الحالة الى عملية تعذيب جماعية تشمل كافة نزلاء السجن، وذلك بنزول لواء الامن العام المرابط في مواجهة السجن والاغارة على كل مهجع حيث تفتح ابواب الغرف ويدخل الامن مدججين بالعصي والكيبلات ويفزعون السجناء وتخرجهم الضربات التي تقع على ظهورهم ووجوهم الى الساحة ، والتي يجبر النزلاء للزحف عليها وتأمرهم الضربات بالزحف، ويشارك كادر السجن في التعذيب، ولا يدري الضارب والمضروب عن السبب حتى تنتهي حفلة التعذيب التي تشمل في كل مهجع عدة غرف لمئات السجناء الذين يتعرضون الى الضرب حتى كسر الفك، او القدم لبعضهم، كما جرى لاحدهم ضرب بماسورة حديد ، وتظهر الكدمات والسحجات على ايديهم وظهورهم وبطونهم من اثر التعذيب، ويؤدي التدافع الى وقوع العديد من حالات الاغماء لتقوم عيادة السجن بعد ذلك بتقديم الاسعافات اللازمة حتى اذا ما صحا السجين فيتم طرده بواسطة العصي الى مهجعه.
وكان التعذيب يشمل المهاجع على التوالي والزاحفون تجلد الكيبلات، والعصي والبرابيش ظهورهم في ذعر ولا ملاذ لهم سوى الله والدعاء ان يخلصهم من الجحيم اذ لا جهة تسمع الشكوى، وعندما تأتي لجنة الحريات البرلمانية، او زيارة لمنظمة حقوق الانسان، او الصليب الاحمر يصار الى التخلص من العصي، ودهن الجدران قبل الزيارة وحالما تغادر البعثة يعود السجن الى سابق عهده من الذل والقهر والاستبداد.
وكانت الجموع الزاحفة في الساحة ، والتي يحيط بها الفزع، والهلع تترأى لها الشعارات المكتوبة على جدرانها، ومنها " قول الرسول عليه الصلاة والسلام " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، وفي الجهة المقابلة يرى لو بدل الزاحف نظره " المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره".
حفلات التعذيب الجماعية كانت تقام مرة في الشهر، او في كل عدة اسابيع وفي مرحلة قاسية كانت تقع في كل عدة ايام مرة، وكانت اقل الاسباب كافية لوقوعها، واذكر ان عمليات للتعذيب الجماعي جرت في الجويدة ابان مربعانية الشتاء وكان النزلاء يجبرون للزحف على الثلج، وعند البحث عن الاسباب لم تكن سوى ان مدير السجن وصله خبر مزعج فخرج غاضبا الى الساحة فوقع بصره على بقايا سيجارة فأدى به ذلك الى تعذيب السجن من اوله الى اخره .
اما النقل الى المحاكم فكان السجين يهان، وكأنما يجر الى المقصلة حيث السلاسل في قدميه ويديه، ويصار الى ربط كل نزيلين مع بعضهما البعض، ويحدث ان من يعد من رجال الامن الكتلة البشرية المغادرة الى المحكمة يحدث ان يدفعه الاستبداد الى ضرب النزلاء حسب نوع القضية، ولقد تم الدوس على لحية النزيل جبريل والذي نسيت اسم والده، وكان من حزب التحرير لمجرد ان اجاب ان قضيته اطالة لسان.
والى الاكل يساقون بالضرب وقد يجبرهم بعض الضباط امعانا في اذلالهم على الزحف بما يسمى رجل البطة ، ولا يفرق في ذلك بين الشعر الابيض والاسود فالكل بين الجدان مشاع للاستبداد وهمجية الادارات التي ترتكب الموبقات، والانتهاكات، والشتم باقذع الالفاظ وحتى القتل، ولقد بقيت ليلة اسمع صوت انسان يصرخ ويئن حتى الفجر الذي خفت فيه الصوت ثم توقف فذاع خبر موته في السجن في اليوم التالي وورد في الجرائد بعد ذلك حسب تقرير الطب الشرعي ان الوفاة طبيعية، ولقد علمت ان احد السجناء من المرضى النفسيين والذين يحجزون في السجون بدلا من الحاقهم بالمصحات النفسية ، وهؤلا يفشلون في تحاشي الامن، علمت انه وقع في قبضة الامن على ذنب اقترفه، وكان ذلك ضمينا لاخضاعه الى الضرب حتى فارق الحياة، وخرج جثمانه من السجن، وسجلت القضية في سجل سجن الجويدة الاسود.
عد النزلا معاناة، ويتم من خلال الدفش لكل اسم في الطابور يصار الى عدة، واما التفتيش والذي هو عادة يومية مذلة وكنا نفر منه الى المسجد ، والذي مفاده ان يدخل احد الضباط الى الغرفة ليفزع من بها من السجناء، وينهضون سراعا وهم يصرخون ((يعيش جلالة الملك المعظم، يعيش يعيش يعيش))، ثم يبدأ الضابط محاكاة لمشهد نازي ولفرض الهيبة بالبصق ببعض الاوجه، او جر احدهم يدعي ان شعره طويل الى خارج الغرفة، وهكذا حتى ينتهي هذا الفصل اليومي المؤلم من الاذلال.
مشاهد لم تكد تنجلي من الذاكرة، او تتوه في زحمة السنوات ، وهي تقود مباشرة الى مأساة وطن تغير في الجوهر، واصبحت صورته الخارجية خادعة على الاطلاق.
والى ان ولجنا السجن – اي الموقر- نحن لجنة الحريات النيابية وجهت نقدا لاذعا لمدير السجن، واعلمته ان النائب يقوم بدوره في الرقابة ، والاساءة له تمثل اساءة للشعب ثم جمعتنا لحظات مهيبة مع ابي قتاة والذي يؤكد الامن انه سيخضع لمعاملة انسانية، وهو يشير الى اهمية تطوير احوال السجون، ومنع الظلم، ويبدي تواضعا قل نظيره ، والى ذلك يقول ان والده كان بائع شاي، وكل امله اليوم بعد عودته الى الاردن ان تتاح له فرصة تقبيل قدم امه.
اما المفاجأة فكانت بتصريحه انه كان احد منتسبي القوات المسلحة، وخدم 4 سنوات فيها، وكان اماما في المسجد، وان مسؤوله المباشر كان العلامة الشيخ نوح القضاة رحمة الله.
ابو قتادة يؤكد على حقه في المحاكمة العادلة، وفي التكفيل، وفي زيارات ابنائه له، وانه جاء الى الاردن بمحض ارادته، وكان يستطيع ان يماطل حتى بعد توقيع الاتفاقية، وذلك لعدة سنوات اخرى، ولكنه وقع على العودة قبل اقرارالاتفاقية .
وهو لا يرى له وطنا غير الاردن.