رويبضة "فيسبوكية"
لا يختلف اثنان على مدى انتشار الفيسبوك كأهم موقع تواصل اجتماعي على شبكة الانترنت، وعلى الرغم من كون فكرة الفيسبوك بدأت كشبكة للتواصل الإجتماعي، إلا أن اقتحام الساسة له أدى إلى تحوله إلى موقع اجتماعي سياسي و"ثوري" إن لزم الأمر!!!
في الوطن العربي كانت نقطة التحول هي صفحة "كلنا خالد سعيد" التي أنشأها وائل غنيم ومجموعة شباب يساريين حيث لعبت هذه الصفحة دوراً هاماً في التحشيد لثورة 25 يناير "المأسوف على شبابها". وبعد نجاح ثورة يناير "مبدئياً" تحولت صفحات معظم الشباب العربي –وبخاصة اليساري والليبرالي منهم- إلى صفحات لقيادة ثورات –معظمها افتراضي- في بلدانهم، وأصبحت أمنية كل "فيسبوكي" أن تحظى صفحته بالكم الأكبر من المعجبين واللايكات والكومنتات، ولا مانع إن أصبح وائل غنيم الأردن أو البحرين أو سوريا.
في موروثنا الديني، سئل الرسول العربي الأمي: ما الرويبضة يا رسول الله؟ فأجاب: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.
ويشرح اللغوي ابن منظور: "الرويبضة: هو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، والغالب أنه قيل للتافه من الناس لُِربُوضِه في بيته، وقلة انبعاثه في الأمور الجسيمة".
في الأردن، كان للفيسبوك سحره الخاص مع بدء الثورات العربية فتضاعفت أعداد "المفسبكين" وأصبح لكل حراك فاعل أو "مفعول" صفحته التي يطلق منها ثورته الخاصة به. ومع تراجع الحراك وانحساره، تحول توجه بعض هؤلاء الناشطين –على اختلاف مشاربهم الفكرية- من مديري "manager" حراك إلى "منظري" ومستشاري حراك.
هذا البعض –للأسف- قادر على تحليل أي شيء وكل شيء، فهو يعطيك رأيه في موازنة الحكومة علماً بأنه لا يميز بين "الموازنة" و"الميزانية"، وهو يقدم لك الحلول الشافية لمواجهة الإمبريالية الأمريكية مع ملاحظة عدم قدرته على معرفة إن كانت عاصمة أمريكا واشنطن أم نيويورك، كما أنه لا يعجز عن توصيف الصراع في سوريا ووضوع الحلول الجذرية له على الرغم من أنه لا يزال "يخربط" بين كلمة "شيوعي" و"شيعي". "اللزيز" في الموضوع أن هذا البعض –وهم كثر هالأيام- بدأ يعطي رأيه في التحالفات الحزبية والنقابية ويجزم ويحسم بضرورة وأولوية التحالفات علماً بأنه لا يعلم الفرق بين النقابات المهنية والعمالية، بل ويحلل نتائج هذه الانتخابات النقابية وتلك علماً بأنه يظن بأن نقابة أطباء الأسنان هي فرع لنقابة الأطباء، ونقابة المهندسين الزراعيين تتبع نقابة المهندسين، ولن أستغرب إذا اعتقد أن نقابة الصيادلة ملحقة بنقابة المحامين.
"الرويبضة" في زمننا هذا لا تختلف عن "رويبضة" عصر رسولنا الكريم بأنها رويبضة "فيسبوكية"، بل إنها في بعض الأحيان تتحول إلى رويبضة "إن جي أوزيّة" وهذا الأكثر خطراً ... والله من وراء القصد.