في مثل هذا اليوم
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، عدت إلى غزة لأول مرةٍ منذ إبعادي عنها في الثامن من يناير عام 1991، وصادف عودتي وأسرتي اليوم الثاني من شهر رمضان الكريم، فطويت بعودتي إلى مخيم جباليا أكثر من خمسةٍ وعشرين سنةٍ من الغياب عنه.
أحمدُ الله أنني عدت إلى بيتي وأهلي وحارتي ومخيمي، وإن كنت قد وجدت أن كل شئٍ قد اعتدت عليه قديماً قد تغير وتبدل،الشوارع والطرقات، والمخيمات والبنايات، والمساكن والبساتين، والوجوه والسكان، ولكنها سنة الحياة في كل مكان، فلا شئ يبقى على حاله، ولا يدوم على حاله إلا الله سبحانه وتعالى، إذ لا شئ مما ترى تبقى بشاشته، يبقى الإله ويودي المال والولد.
غابت وجوهٌ كثيرة مما كنت أعرف، وحضرت شخصياتٌ كثيرة كانت غائبة، وكبر الصغار، وهرم الشباب، وابيض الشعر وتعضنت الجباه، ولكن غزة بقيت كما تركتها، حاضرة البحر، أم الأبطال، عصيةً على كل عدو، شامخةً أمام أي خطب، أبيةً في مواجهة أي حدث، مترابطةً متماسكة، حنونةً على أولادها، بارةً بأبنائها، وفيةً لأهلها، كانت وستبقى.
إليك غزة سأعود بعد أيامٍ قليلة، وسأقضي في ربوعك أياماً أخرى، وسأستعيد بعضاً من الذكريات القديمة، وسأعيش بين أهلي ومع أحبتي، أمي واخوتي وكل من أحب، وفيها سأجدد العهد، وسأمضي مع أهلها على الدرب، فمرحى بغزة وأهلها، وطوبى لكل من أحبها، وهنيئاً لمن زارها وخطا فوق ترابها.