الصلاة فريضة لتنقية الروح واستقامتها على الحق والعدل
المدينة نيوز- عظّم الإسلام من شأن الصلاة، وأعلى مكانتها، فهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين , وتعتبر أُم العبادات وأفضلُ الطاعات .
لذلك جاءت الآيات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة التي تدعو الى اقامتها والمحافظة عليها وتأديتها في أوقاتها، قال سبحانه وتعالى "حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى " ، وقال تعالى : وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ.
ولأهميتها كانت الصلاة آخر وصايا النبي عليه الصلاة والسلام قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى حيث قال رسولنا الكريم : الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، لأنها افضل الأعمال وكفارة للذنوب والخطايا وحفظ وأمان للعبد في الدنيا وعهد من الله بدخول الجنة في الآخرة وهي أول ما يُحاسب عنه العبد يوم القيامة . المفكر الاسلامي الدكتور حمدي مراد يتحدث عن علاقة الصلاة بالفطرة الانسانية مستشهدا بقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما خاطب الصحابي بلال الحبشي وعلى مسمع من اصحابه رضوان الله عليهم "أرحنا بها يا بلال" .
ويبين ان هذا الحديث النبوي الشريف يحمل مدلولات كثيرة منها ان الصلاة فيها جهد وتعب يبذل قبل الصلاة وبعدها واقتطاع من وقت الانسان ومع ذلك يعبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام بانها مدخل للراحة والمقصود هنا الراحة الروحية النفسية القلبية وليس الجسدية لان المصلي يبذل جهدا بدنيا في صلاته.
ويضيف الدكتور مراد لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) اننا نعلم ان علماء النفس اكدوا ان معظم امراض الجسد سببها امراض النفس وان علاج هذه الامراض ليس ماديا ,انما روحيا قلبيا , قال النبي عليه الصلاة والسلام " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت، فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب) .
ويوضح ان مقام الروح والنفس والقلب ذو علاقة مباشرة في تأثيرها على الجسد بكل مكوناته , من هنا كان للروح مكانة وسر لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى حيث قال جل وعلا "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " .
ويشير الى انه اذا كان غذاء الجسد بالطعام والشراب وهذا معلوم بالفطرة عند كل البشر , فكيف يكون غذاء الروح والنفس حينئذ , والجواب الذي يصعب ان يكون بالفطرة المطلقة الّا وحي من السماء وتوجيه مع ان الفطرة العامة التي يلحظها كل البشر ان الانسان بحاجة الى ان يلجأ الى سر عظيم يركن اليه ويعتمد عليه خارج العلاقات المادية.
ويقول ان الصلاة ترفع مستوى اخلاق المسلم وروحه وسمو نفسه , قال سبحانه وتعالى "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" وقال جل وعلا "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).
اخصائي جراحة الدماغ والاعصاب وجراحة العمود الفقري في المستشفى الاسلامي الدكتور ابراهيم البدور يقول : لقد انتشرت مشكلات مرضيَّة في العصر الحالي تسبب للكثيرين آلاماً لا تُحتمل ، وسببها مشكلات في العمود الفقري الذي سخره الله سبحانه وتعالى لنا وينبغي أن نقوم بعملية صيانة دائمة له لأنه يحمل الجسم والذي لولاه لا يتمكن الانسان من أداء حركة واحدة.
ويعزو اسباب هذه المشكلات الى الاستخدام الكبير للسيارة وقلة المشي والحركة وتناول الطعام بكثرة، ما اسهم في انتشار مشكلات العمود الفقري التي تسبب آلاما أسفل الظهر وآلام الرقبة وتنميل الأطراف وآلام اليدين والرجلين، وخصنا الله سبحانه وتعالى كمسلمين بعبادة لها علاقة بالعمود الفقري وهي الصلاة التي أثبتت دراسات اسلامية أن الذي يحافظ عليها ويكثر من المشي إلى المساجد، يكون أقل عرضة لمشكلات العمود الفقري.
ويقول ان آلام أسـفل الظهـر من المشكلات الشائعـة عند البالغين وغالـباً ما تظهـر بسـبب فـقدان الليـونة من الرباط الطولي الخلفي في الظهر وكذلك النسيج الليفي الذي يشكل الطبقات الخارجية من القرص الغضروفي عندما تفقد هذه الأنسجة القدرة على التمغط فإنّها تتمزق عند حصول حركة خاطئة تساعد على تهتكها، والحركة التي تضع ضغطا على هذه الأنسجة هي ثني الظهر للأمام والّركب مفرودة, هذا التمزق نادر جداً عند الأطفال لأن أنسجتهم مرنة وتتمغط عند الانحناء.
ويبين الدكتور البدور ان الحفاظ على ميزة مرونة الرباط والغضاريف الموجودة يسهم في تقليل نسبة الإصابة بآلام أسفل الظهر والانزلاقات الغضروفية وهذا ما يوضحه الطب والأبحاث العلمية الحديثة التى أجراها غير المسلمين على الحركات والتمرينات التى يقوم بها المسلم أثناء أداء فريضة الصلاة وتبين انها أفضل وذات فائدة بين أنواع التمرينات للإنسان على الإطلاق وبصفة خاصة للعمود الفقرى.
وتوصل العلماء كما يقول الى ان المسلمين أثناء الصلاة يحركون المفاصل والعضلات وبالتالى يتفادى كل منهم إصابة عضلاته بالضمور والمفاصل بالتيبس ، كما أنها تقوي العضلات وتحافظ على أقواس العمود الفقري ، وان الحركات والتمارين التى تؤدى أثناء الصلاة تعالج مشكلات الظهر والعمود الفقرى ، خاصة في وضعية السجود الذى يعد أفضل وضع ممكن أن يتخذه الإنسان للتخفيف من آلام الظهر الناتجة عن الضغط على الأعصاب، كما هو الحال فى حالات الانزلاق الغضروفى وغيرها.
ويشير الى انه في حالة السجود تكون أقواس العمود الفقرى فى وضعها الطبيعى ولا يكون هناك أى ضغط على الأعصاب الخارجية من بين كل فقرة والفقرة التى تليها، ويمكن لمن يعاني من مشكلات وآلام وانزلاق غضروفى، وعرق النسا، وغيرها من حالات الضغط على الأعصاب أن يتخذ وضع السجود عند اشتداد حدة الحالة عليه للتخلص من الأوجاع.
ويوضح : ان تأدية حركات الصلاة من ركوع، ثم وقوف ثم سجود، وتكرار تلك العملية أكثر من مرة، يعد تمرينا جيدا ومتكررا للعمود الفقري، والتغير فى الأوضاع بحيث تكون أقواس العمود الفقري على استقامة واحدة، وفى وضع السجود والجلوس تتحرك الأقواس وهذا بمثابة تقوية لها وللعضلات المحيطة بها والمدعمة لها، وتسهم الصلوات الخمس بحرق حوالى 400 سعر حراري، وبالتالي تتخلص من الوزن الزائد.
ويقول الدكتور البدور ان الصلاة للمرأة الحامل تعتبر من الرياضات المفيدة خاصة في الاشهر الأخيرة حيث تكون مثقلة بالجنين ، وعندما تؤدى الصلاة فإن حركتها تنشط الدورة الدموية ولا تعرضها لمرض دوالي الساقين الذي يحدث لبعض السيدات الحوامل، ووجد أن معظم شكاوى المرأة الحامل تكون من عســر الهضم والانتفاخ والتقيؤ ، لذا فالصلاة تفيد في تقوية جدار البطن، ما يساعد المعدة على التقلص وأداء عملها على أكمل وجه.
ويقول انه من الطريف أن هناك تمرينات للحوامل يوصون بها في الغرب ، وهي قريبة الشبه تماماً بحركات الصلاة التي تجعل أربطة الحوض لينة، خاصة في الأسابيع الأخيرة، كما أنها تقوِّي عضلات البطن وتمنع الترهل، وفي الأسابيع الأخيرة من الحمل يساعد الركوع والسجود عـلــى وضـــع الجنين في مساره الطبيعي في الحوض كي تكون الولادة طبيعية، مع العلم بأن الصلاة تؤدى دون أي خطورة أو خوف، بل ودون استشارة الطبيبـــة كمـــا هو مطلوب عنــد ممارسة التمارين الرياضية .
ويوضح ان دراسة أميركية جديدة وجدت أن تمارين اليوغا تخفف الألم المزمن في الجزء السفلي من الظهر ، ولا تقتصر فوائد هذه التمارين على تقوية عضلات الظهر فقط ، بل تشمل عضلات البطن وتخفف الضغط على العمود الفقري، وتؤكد الدراسة التي نشرت في مجلة (العمود الفقري)، أن الذين مارسوا تمارين اليوغا لمدة ستة أشهر تراجعت لديهم حدة الألم الذي يشعرون به في أسفل الظهر، مقارنة بنظرائهم الذين استمروا في تناول العلاجات التقليدية للألم مثل الحبوب وغير ذلك، كما تحسنت حالتهم النفسية.
وهذا يدفعنا الى تساؤل هل يوجد لدينا (يوغا) في الإسلام، والجواب لقد فرض الله علينا ما هو أهم وأفضل من هذه الرياضة إنها رياضة الصلاة، التي نؤديها خمس مرات يومياً، حيث تقف مستقيماً وتركع ثم تسجد فى محاولة لجعل جسمك وروحك يتحدان فى خشوع، مستشعراً عظمة الخالق الذى تقف أمامه، تلك هى صلاتنا اليومية .
ويقول المدرس في كلية اصول الدين في جامعة العلوم الاسلامية الدكتور يحيى القضاة ان الصلاة تعتبر اهم فريضة في الاسلام ومن اهم العبادات وهي صله بين الانسان وربه يؤديها المسلم خمس مرات في اليوم.
ويشير الى ان الصلاة تختلف كثيرا عن العبادات الاخرى كالصوم والحج التي يؤديها المسلم مرة واحدة في السنة وقد تكون مرة في العمر كالحج , فالصلاة المفروضة تؤدى خمس مرات يوميا، وغيرها من السنن، كما ان المسلم يستطيع ان يكلف غيره بالحج على سبيل المثال بينما الصلاة مكلف بها العبد تكليفا شخصيا ولا يستطيع احد ان يقوم مقام الانسان فيها ويؤديها عنه سواء كانت مفروضة او سننا او نوافل.
ويقول ان الصلاة هي مناجاة بين العبد وربه يشكو له همه وما اهمه وما اصابه من مصاعب الدنيا، ليفرج الله كربه وينفس همه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر هرع إلى الصلاة لأنه كان يجد راحته فيها .
ويشير الدكتور القضاة الى اهمية صلاة الجماعة في المسجد والتي تعمل على تقوية الرباط الاجتماعي بين المصلين من ابناء الحي الواحد مبينا ان القرآن الكريم أكد على ذلك عندما ذكر الصلاة بصورة الجمع مثل: واقيموا الصلاة، كما ان صلاة الجماعة تعدل 27 ضعف صلاة الفرد في بيته.
ويشير عضو الجمعية الأردنية للإعجاز في القرآن والسنة الدكتور سمير اسماعيل الحلو الى ان هناك دراسات علمية ذكرت فوائد لا تحصى للصلاة منها تنشيط الكلية ودعم الدور الدموية والتخفيف من أثر الغضب ونوبة القلب وتحفظ الرئة من الامراض وتنشط الهرمونات كما ان السجود يخفف من مضاعفات مرض السكر، بالاضافة الى الفوائد الروحانية والنفسية ، فبمقدار خشوع المسلم في صلاته كما يقول يكون الأجر والثواب والفائدة.
ويضيف ان المتأمل لحركات الصلاة يدرك ان هناك أسرارا تبدأ بتساؤلات منها: لماذا لا تكون الصلاة جلوسا على الكراسي أو وقوفا فقط ، ولماذا هذه الحركات العديدة بأشكالها المختلفة من وقوف وركوع وسجود وجلوس بين السجود وتسليم على اليمين والشمال.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية الدكتور سليمان الدقور يقول ان ديننا الحنيف جاء تهذيبا للنفس وتنمية لإرادة الانسان بالإضافة الى تحقيق جملة من الغايات والاهداف التي تصب في مصلحة هذا الانسان لما فيه الخير والفلاح.
ويضيف ان الأساس الاول للصلاة هو تزكية النفس الانسانية التي تشتمل على عدة جوانب في الانسان منها الجانب المادي الذي يعتمد على الغذاء الجيد والجانب العقلي الذي يتعلق بالعلم والتصورات وهناك الجانب الروحي السليم الذي ينعكس على نفسية الانسان وفطرته .
ويشير الدكتور الدقور الى ان العنوان الاساسي الذي يبحث عنه الانسان في الحياة الدنيا هو النجاح والسعادة، وان الفلاح مطلب فطري يبدأ طريقه عبر التزكية والتي عنوانها الذكر (التسبيح والاستغفار) بشكل مطلق وان الصلاة محل للذكر كأسلوب من اساليب تزكية الروح , فالصلاة تحقق الذكر واكثر من ذلك من خلال ذكر الآيات والاستئناس مع القران الكريم واستشعار معنى الصدق مع الله سبحانه وتعالى.
ويبين ان معالجة الاشكالات النفسية التي تعترض الانسان من قلق وتعب تحتاج الى موازين ايمانية وروحانية جيدة تهذب الانسان وترقق قلبه ليتسنى له التعامل مع هموم الدنيا ومشكلاتها وهذا ما ركز عليه النبي عليه الصلاة والسلام في قوله "أرحنا بها يا بلال".
ويوضح الدكتور الدقور اننا في أمس الحاجة الى التخلص من الجوانب المادية التي تحيط بنا من اجل راحة النفس التي اذا كانت في راحة وطمأنينة فان ذلك ينعكس بشكل مباشر على سائر الجسم.
(بترا )