التكافل والتضامن مبدأ اسلامي يعد من اهم خصائص الحياة العصرية في اميركا
من المعاني الانسانية العالمية السامية في الاسلام ؛ انه اولى اهتماما بالغا - من خلال قيمه وتعاليمه السمحة الرفيعة- حل مشاكل ومعاناة المجتمعات الانسانية العالمية جميعها ، بغض النظر عن انتماءاتها الدينية والمذهبية والجنسية والعرقية والايدلوجية ؛ فحرص على توفير العيش الكريم والاهتمام بالامن الاجتماعي والاقتصادي لكل افراد البشر، وهو بذلك يعلو إلى منطق العالمية ، ويرتفع عن منطق العشيرة والقومية ويتجاوزهما ؛ فقد طرح الاسلام نظرياته ومبادءه السماوية العالمية العادلة والهادفة إلى اسعاد بني الانسان وتكريمهم ، مصداقا لقوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الاسراء:70
كما طرح الاسلام في عالميته مبدأ المساواة بين الناس الا بالتقوى، فقال جل شأنه( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم).
ان مبدأ التكافل في الاسلام مبدأ عظيم يقوم على فلسفة وخلق اسلامي راق ، يبرز النزعة الانسانية ، ويهدف إلى تجسير الفجوة وتذويب الفوارق الكبيرة بين الاغنياء والفقراء، كما يقوم هذا النظام الاسلامي العتيد على تحميل المجتمع كله المسؤولية كلا حسب قدرته وطاقته ، وليس التواكل او تحميل الدولة المسؤولية وحدها تجاه المجتمع ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية، على ان لها في ذلك نصيب ومشاركة.
لقد ابتكر الاسلام نظام التكافل والتضامن منذ فجر التاريخ الاسلامي الناصع، وهو بمثابة حل ، او جزء من الحلول، لمشاكل المجتمعات الاقتصادية المستعصية، والاجتماعية المستفحلة والمعقدة، وهو طريق إلى السلم الاجتماعي وضابط للعلاقات الاقتصادية ، يعمل على تماسك المجتمع ودعم وحدته ، ويحمل في طياته عناصر وحدة الامة وقوتها، ويعمق معاني الاخوة والتضامن بين افراده ، ويدعو إلى التآلف واشاعة الامن والوئام، ويرسخ مفهوم المواطنة الحقة ،كما يعني التكامل والتوازن الاجتماعي ، والترابط الفكري والروحي والسلوكي بما يتضمنه من قيم رفيعة، وابعاد انسانية سامية، وينهي عهد اللامساواة والظلم ، ويحقق مبدأ العدل والتآخي ،ويرتبط بمفهوم حقوق الانسان في العمل والصحة والمسكن والتعليم والرأي والانتماء وغيرها من الحقوق...
ومن صور التكافل الاسلامية الرائعة التي تعمق قيم التعاطف والتراحم والمودة والبر والتعايش ،اداء الصدقات والتبرعات والكفارات والمعونات والاعمال التطوعية واعمال الخير، والزكاة التي هي وسيلة حقة وفاعلة لتحقيق التكامل الاجتماعي والاقتصادي ، ويمكن ان يكون مبدأ التكافل والتضامن بديلا فاعلا لنظم التأمين المعاصرة، فيدق حينئذ ناقوس الاهمية والاهتمام ليسمع الاقتصاديين الاجتماعيين وجوب الاعتماد على قيمه ونشرها والبناء عليها.
لقد اكتشف علماء الاجتماع في الغرب ، وبخاصة في اميركا الحديثة، ان هذا النظام الاسلامي المنشأ يعتبر من اهم خصائص وسمات الحياة العصرية على الاطلاق في مجتمعات اميركا ، ووصف بانه صورة كل تحليلي متكامل، وسموه المذهب التبادلي ؛ لانه يقوم في نظرهم على مبدأ تبادل المنافع والمصالح بين الناس على كل الصعد والمستويات، كما اطلق عليه آخرون اسم مبدأ التكافل كما هو في الاسلام.
لقد بدأت اوليات ظهور التكافل في اميركا على يد الحركة التقدمية التي نشأت كفلسفة اجتماعية قومية اميركية، وانبثقت من الطبقة الوسطى، وقد استهدفت في بدايتها حث المسؤولين وحفزهم على الاصلاح عن طريق انتقاد واستنكار ذلك السلوك الفج والجشع لطبقة الاغنياء في المجتمع الامريكي، وطرحت هذه الحركة مسؤولية المجتمع بكامله ، حيث ان كل فرد فيه يحمل نصيبه من المسؤولية تجاه رفاهية الآخرين وسعادتهم وعيشهم الكريم، فلا يمكن لاحد ان يحمل بمفرده مسؤولية اشباع كل حاجاته من السلع والخدمات... وقد اوجدت التكنلوجيا والتغيير الاجتماعي الذي صحبها فيما بعد، قانونا اخلاقيا جديدا اكد على ضرورة مبدأ التكافل بين افراد المجتمع كافة، وان هذه الاخلاقيات الجديدة تحمل معها التزاما بالسماح للدولة بان تضطلع بعملية تنظيم التكافل الاجتماعي الجديد بين الناس.
اما في اوروبا فقد ورد التكافل والتضامن في السياسات الاجتماعية للشعب الالماني حينما كان موحدا، اذ خصص " قانون بسمارك " الذي تبنت تطبيقه الدولة بصرف معاشات للعجزة ومن ذوي الحاجات الخاصة والمسنين ، وثمة في بعض الدول الاوروبية من يقوم اليوم من التجار بتخفيض اسعار المواد الغذائية كنوع من تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي بين الناس ، وبخاصة في شهر رمضان المبارك.
ان الفكر الديمقراطي الاجتماعي الغربي المأخوذ عن الاسلام ، ينادي بالتكافل والتضامن الاجتماعي ،ومحاولة تحقيق العدالة للجميع ،كما تحاول الجاليات العربية والاسلامية والمسلمون الاوروبيون تفعيل هذا المبدأ الاسلامي واحيائه بين المعسرين والميسورين منهم، وتنشئ لذلك صناديق المساعدة المالية ،والجمعيات والتعاونيات الخيرية لتقديم المواد العينية لمستحقيها ، كما اهتمت الحكومات الغربية ومنها السويدية انطلاقا من هذا المبدأ في حل مشكلات الفقر مثل مشكلة تنامي المهاجرين المشردين،
ان ثمة مبادئ اسلامية كثيرة تقرها المجتمعات والحكومات الغربية وتعمل بها ،بينما لا نجد لها بين ظهرانينا مكانا ولا على ساحات مجتمعاتنا وحكوماتنا موقعا ، كمثل مبادئ المساواة وحرية الرأي، والشورى والتكافل الاجتماعي ،واعمال التطوع والخير، فعدد الجمعيات الخيرية والتطوعية والانسانية والتعاونية في الغرب اضعاف اضعاف ما لدينا منها ، فهلا نثوب لرشدنا ونعود لمبادئنا السمحة وتراثنا الكنز الثمين، واسلامنا العظيم لانقاذ مجتمعاتنا من براثن الجوع والفقر والحرمان !! ان تفعيل دور الزكاة وحده كفيل بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ،والقضاء على كل مشكلات مجتمعاتنا المتأصلة في الفقر والبطالة والظلم والاستبداد الاجتماعي، فالعدالة الاجتماعية في النظام الاقتصادي الاسلامي تقوم على تحقيق مبدئي التكافل العام ومبدأ التوازن الاجتماعي وتوزيع الثروة، فبهما تتحقق العدالة الاجتماعية ،وبهما تقوى مجتمعاتنا المتهالكة،ويكفينا ما نأخذه من النظم والمبادئ الغربية، وما نأخذ الا الاسوأ ،ويأخذون هم منا الاحسن والافضل!! ورحم الله الامام محمد عبده حيث قال بعدما رجع من زيارته لاوروبا " وجدت في اوروبا مسلمين بلا اسلام ووجدت في بلدي اسلام بلا مسلمين !!!
الدكتور: شفيق علقم