إعدام أبيض للطفولة!

ملايين من أطفال العرب حفاة وعراة ويعيشون على الارصفة ويتسولون عند اشارات المرور، اضافة الى ضحايا الحروب الذين سرطنهم السلاح المحرم الذي جُرّب في أوطانهم.
وكأن هذا كله لا يكفي، لاستباحة وانتهاك الطفولة المهدورة والمغدورة، فقد جادت قرائح البالغين من أهلهم بمهمات جديدة منها استخدام الأطفال في المظاهرات ورسم الشعارات على جباههم وتحويلهم الى ببغاوات لترديد شعارات لا يعرفون معناها ولا يلثغون بحروفها الصمّاء، وآخر ما تفتقت عنه هذه العبقرية هو الاحتماء بلحم الأطفال، بعد أن تم استبدال ثياب العيد بالأكفان، فقد شاهدناهم يرتدون الأكفان أو يحملونها على ايديهم ويتقدمون المظاهرات.
مشاهد يتعذر وصفها، لأنها تجاوزت كل خيال، فالطفل الذي يعول عليه باعتباره ذخيرة المستقبل هو رهينة، فبعد استخدامه في تجارة الرقيق الآسيوية ومعاملته كالسخرة في أعمال يدوية شاقة يجري قتله أو بمعنى أدق وأده حياً.
وإذا شاء البالغون هدر حياتهم وارتداء الأكفان استخفافاً بالحياة وتحويل الموت الى مطلب قومي فهذا شأنهم، وقد حدث هذا بالفعل في ايران قبيل سقوط الشاه، لكن ليس من حق أي بالغ ان يستخدم الأطفال حتى لو كانوا من صلبه لأداء هذه المهمة، لأن كل قوانين وأعراف وثقافات البشر تحرم ذلك، اضافة الى العقائد، والمبكي بالفعل أن طفلاً في السابعة أو الثامنة قد يفرح بالكفن وكأنه بديل لقميص جديد يستقبل به العيد، لكن الكفن كما يقول مثل مصري بلا جيوب، وهذا تعبير عن أن الانسان عندما يموت لا يأخذ معه شيئاً من هذه الدنيا، لكن الأطفال الذين لا يدركون دلالة هذا المثل قد يتحسسون أكفانهم بحثاً عن جيوب لحشوها بالحلوى أو عيدية العيد، وهذا الاعدام الأبيض لا يبرره دين أو عرف أو اية غاية الا اذا كانت الغاية تبرر كل الوسائل بدوافع غريزية وميكافيلية لا كوابح لها ولا مصدات.
ما الذي جناه الطفل العربي كي ينافس أمه على هذا الشقاء الذي أصبح قدراً في كل العصور؟ وهل كان المعرّي قد تنبأ بذلك عندما قرر أن لا يجني على أبنائه.. ولهذا لم يتزوج؟، لكن شاعر المعرة لم يتنبأ بإعدامه عندما تدحرج رأسه في حرب الاخوة الأعداء.
كفى انتحاراً باسم الحياة ودفاعاً عنها، وان كان لا بد أن يواصله العرب على طريقتهم.. فليتركوا الأطفال بعيداً ويرفعوا أيديهم وأرجلهم وأكفانهم عنهم!
( الدستور )