فوضى الثورات بين طهارة المبدأ وشيطنة الواقع
إن الأحداث والمستجدات التي تطرأ على منطقة الشرق الاوسط في هذه الفترة والتي تجعلنا نحتار في توصفيها كونها مرحلة جديدة من النضوج العربي والانخراط في بيئة الحريات أو حالة من الفوضى والغثيان السياسي ...أطراف وأحداث تجعل من فكرة التغير والرضوخ للغة الواقع أمرا يصعب تطبيقه في عالم السياسة و في نفس الوقت هناك أمور لا يمكن أن تُحل الا بفكرة التمرد والخروج عن المألوف ...معادلات معقدة تضيق على الساسة الخيارات وتفرض على العسكر المستجدات وعالمنا العربي الذي نعرفه جيدا لم يعرف يوما طلاقا للغتي العسكر والساسة الا في حالة الانقلابات العسكرية وهذه الاخيره بتصوري انتهت دون عوده وتحولت المعارك الى حلبات سياسية لا يليق بها تدخل العسكر او أن يسمع فيها صوت البنادق ولكن وفي نفس الوقت هل بامكاننا أن نقول بأن واقعنا بدأ يزرع بذور ديمقراطية حقيقة؟ ,وهل أصبح العقل والفكر العربي قادرا على بناء كيان ديمقراطي دون تدخل أي أطراف تقليدية لموازنة معادلة الحكم ؟....
وان أردنا التعمق بحثا عن اجابه وحاولنا قراءة الواقع فالواضح للقارئ أن الأمر أصبح حالة من الانفعال العربي والاندماج في حالة الإضراب والتمرد على الذات قبل أن تكون على واقع لا نعلم ان كان يستحق هذا الكم من التمرد والتعطش لتغير او بالاحرى قد يكون تمرد مجهول النتائج , وأن حالة التمرد هذه أضاعت البوصلة والقدرة على تحديد المطلوب والمهم لبدء التغير الحقيقي , وهنا نقطة الاختلاف الحقيقية والتي تجعل من الربيع العربي خريفا بامتياز ...لان المواطن العربي قد تحول من صانع لتغير الى وقود يستخدم في ابقاء زخم الاحداث لا أكثر لصالح أطراف معينه , وورقة ضغط لا قلم قرارات !...
فكان الإصلاح يتأتى بمنظور البعض من خلال المظاهرات وكانت الاخيره رمز التمرد والعصيان , فكان الشارع هو البرهان على الحرية وليس المنابر الديمقراطية, وبالتالي فشارع أصبح من يحكم ,....... وهنا نتوقع ان هذه الحالة ستطول ما دام الكبت الشعبي مستمر وهنا يكمن دور الحكومات في جعل الحكمة والصبر سلاح المواجهة .
,
التمرد والذي سبق ذكرنا له بانه يُفرض على الذات أكثر من كونه على الانظمة الحاكمه , في محاولة الوقوف اما الذات العربية التي عانت الهزائم الداخلية على مر العقود وجاءت "لتفريغ الكبت " واثباتا على أنها قادرة وليست عاجزة , وقد أخطأت بعض الانظمة العربية في تفسير الواقع وكانت أصوات البنادق تعلو فوق اي شيء , فقد تكون اخترقت صدور أجساد ولكنها ولدت غيضا وعارا امام الذات المهزومه فكانت ببساطه تكاثر مخيف لحالة التمرد تلك ....وهنا علينا التأكيد على وجوب تكريس الايمان بحق الشعوب والايمان بمفهوم أن صوت البندقية بدأ ينحصر في ميدان الحرب او التدريب فقط , وأن على الحكومات أن تشبع رغبة الجماهير في تفريغ غضبها وتكوين البيئة السليمة لتطبيق ذلك , وحتى ولو كانت تلك الحكومات في جانب ما ضد ذلك التمرد فعليها أن تمارس الذكاء السياسي واستجماع النقاط في كسب المعركة سياسيا بما يجعل الاحداث تنحصر في إطار الدولة والبلد المعني دون اجبار الشارع أن يتطلع الى خارج الحدود بحثا عن داعم أو مساند, لان المتمعن في الاحداث يجد أن في أكثر الاحيان اتجهت الثورات لتصبح ملاعب مفتوحة القوانين والزمن والأطراف , فتكونت معادلات معقده خلقت نوعا من تداخل المصالح وتشابك الأطراف في لحظه اختلافها الأساسي وجعلت بعض اصدقاء الامس أعداء حقيقين ...فمصر ومع تحقيق الثورة لهدفها الاول والسامي وهو سقوط النظام ومع تحقيق هدفها الثاني وهو التمثيل الديمقراطي الا انه بدأ منحنى التغير في الرجوع الى نقطة البداية ولا نستطيع القول وفي هذه الاوقات من هو الذي يمتلك الحقيقة من بين الاطراف المتنازعه , وهذه دلالة قوية على أن بداية المشوار نحو التغير في مصر خاله الكثير من اللامنطق وضيق المصالح وتحويل ارادة الشعب الى اردة حزب وجعلهم كما قلنا وقودا لابقاء الزخم لا اكثر ,والمشكلة الحقيقية أن الشارع مازال يحكم ويصنع التغير دون النظر لكونه تغير سليم او عكس ذلك ,وما يعقد الامور أن منابر العرب الديمقراطية في سباااات مازالت مع كل ما حدث وسيحدث , وتجعلنا نتأكد أن العرب أظهروا ضعفهم في قدرة المواجهة الديمقراطية من خلال منابر حقيقة وهذا يدفعنا للقول ان ذلك كله تأتى من سببين لا ثالث لهما الاول فشل المؤسسة الديمقراطية العربية وتواضع الفكر العربي امامها ,والثاني عدم مقدرة الغرب على مساعدة الأنظمة العربية في تأسيس هذا المبادئ ,ففشلت سياسة الحقبة الماضيه بما فيها من شعارات وبما فيها من اسبار سياسية وقواعد كان يُعمل بها عند حدوث أي مكروه لبنية النظام الحاكم ,وفشلت أكثر الأنظمة في حماية نفسها عند اول امتحان حقيقي لشرعيتها وحتى لقوتها في مواجهة المعارضة الحقيقية لشعب .
واستنادا لما سبق نود البوح بما في داخلنا نحو الوضع الراهن في وطننا الاردن ...فمنذ انطلاق الربيع العربي والاردن يواجهة التغيرات ومطالب الحراك الشعبي باسلوب المواجهة السياسية مع اظهار العصى لكل صاحب فكر تخريبي وانتهازي ومكوث مطول عند فكرة التغير السياسي في بنية الاحزاب والتمثيل الديمقراطي ومحاولة لجعل الحراك مساندا وداعما للحكومات والنظام , وهنا نستنطيع القول بأن جلالة قائد البلاد قد التقط اللحظة التاريخية وفهم مسار التغير وأن الرؤى الملكية في توجيه الحكومة جاءت من منطلق ترتيب الاوراق بناءا على ارداة الشعب والاستماع لصوت الحراك الشعبي "الوطني " الذي كان جلالته أول من آمن بشرعيته وحقه في التعبير عن الرأي والمطالبه بالحقوق ...هذه السياسة هي السر الحقيقي في جعل الاردن بعيدا عن أي تطورات أو طفرات سلبية في منحنى التغير ....ولا ننكر أن الوطن ومؤسساته تحتاج التغير وأن الفساد نال من مقدرات الوطن ولكن ايماننا بذلك جعل نقطة البداية سليمة وممثله لكل الاطياف السياسية والاجتماعية ....فالحكومات الان تواجهة مشكلات عليها ان تربط حلها بارداة الشعب الاردني وترتيب الاوراق بما يتناسب مع حالة الفوضى العارمة في المنطقة ...والتأيد الدولي لمنجزات الملك واجراءات الحكومة تؤكد أن المجتمع الدولي يؤمن بأن صوت الشعب يجب أن يكون محرك المعادلة الرئيس لأي ممارسة سياسة على ارض الواقع ,وأن القادم من الايام يجب أن يبدأ من عند الشعب وينتهي هناك .