لكلّ "مقام" مقال

تصل إلى نهر ابرهيم، صحبة فتى في الرابعة عشرة. تصعد في اتجاه الجرد الجبيلي، لدقائق قليلة، تقريباً مسافة سبعة كيلومترات، قبل أن تسترعيك لافتة مرفوعة تشير إلى المكان المقصود: عاليتا ترحّب بكم. إلى اليمين، طريق معشوشبة قليلة العرض، تُدخلك توّاً إلى "مقام" - مشروع متحف أولي للنحت والتجهيز الحديث والمعاصر في لبنان.
المكان صنوبر وعطور، حيث يزهو هواء الخيال الطلق بنفسه، عزيزاً كريماً. عشرة آلاف متر مربع، في وسطها معملٌ كان في ما مضى لصناعة الأقلام وسواها، جرى تحويله أخيراً ليكون مقراً يستقبل، في هنغارَين موصولَين، منحوتات وتجهيزات، سبق عرض بعضها وتبويبها لفنانين معروفين في الريبرتوار التشكيلي اللبناني، إلى تجارب جديدة، طازجة، تغطّي جملة من الأسماء، مجهولة، معروفة وغير معروفة، فضلاً عن الأسئلة والاختبارات الجمّة الراهنة.
يقف سيزار نمّور وراء هذا المشروع الجميل، وكان سبق له أن أطلق مبادرات، وخاض تجارب، منها طبع كتب فنية لفنانين لبنانيين، وافتتاح مكتبة تشكيلية في شارع مونو، نجد كتبها معروضةً، هنا أيضاً، في هذا المتحف الناشئ، حيث ينفتح المجال للأولاد لمباشرة اختباراتهم التشكيلية، من خلال تجارب ومسابقات، لا بدّ أن تكون بمثابة خيط يدلّ إلى مواهب ناشئة، قد يكون من الواجب الالتفات إليها، برعايتها وتشجيعها والاعتناء بها، فتنضمّ ربما إلى الأجيال الفنية المتلاحقة.
بادرة سيزار نمّور ممتازة، ولا بدّ أن تساهم في تنشيط البصر التشكيلي، الجمالي والنقدي والتثقيفي. لكنْ، إذ أحييها بحرارة، لا يهمّني أن يراوح مقالي هذا في دائرة الترويج لها، بقدر ما تهمّني، في هذا السياق، دعوة كلّ منشّط فنّي إلى تعميم هذه الظاهرة في المناطق اللبنانية كافة، وخصوصاً رفع الصوت بضرورة إقامة متحف للأعمال التشكيلية اللبنانية، الحديثة والمعاصرة، الآن، للتوّ، وفي بيروت تحديداً.
لا أعرف، بالمنطق، السبب الذي يحول دون قيام هذا المتحف! من أسباب عارنا الحقيقي، أن هذا المتحف غير موجود حتى اللحظة في بلد الإشعاع والنور، في حين أن هذا البلد يتحوّل يوماً بعد يوم إلى متحف حيّ وحيويّ للوحوش البشرية الكاسرة من كل نوع وجنس! أقترح على رئيس الحكومة المكلّف، في حال تمكّنه ورئيس الجمهورية من تشكيل الحكومة، أن يشترطا على وزيرهما المحتمل للثقافة، وعلى بيانهما الوزاري، مباشرة إقامة هذا المتحف، فوراً، وبدون تأخير!
برسم المعنيين: هل من غير مغزى أن يكون الفتى، رفيقي في الزيارة، قد استحسن التجهيز الذي كان فاز بجائزة متحف سرسق؟!
( النهار اللبنانية )