حيث سقط السفاح!

يصعب في مناخ الرعب الذي عممه التفجير المزدوج في طرابلس أي كلام بارد. لكن هذا الهول الذي حصد عشرات الشهداء ومئات الجرحى في صفوف ثانية أكبر المدن اللبنانية واكثرها فقرا انقلب على السفاح لأنه أقام ما لم يحسب له اطلاقا في جريمته الجماعية التي اراد منها اشعال العنف المذهبي على مستوى وطني شامل. لم تكن المرة الاولى تتظهر معالم رفض اللبنانيين للفتنة والسقوط في حرب اهلية، ولكنها كانت ذروة التعبير هذه المرة. رأى كل لبناني لم تطله يد السفاح بعد نفسه الضحية التالية كما استحضر كل لبناني سبق ان احرقته مفخخات السفاح المعاناة المرعبة.
قد لا يقيم السفاح اعتبارا للورود التي تعاقبت نسوة الضاحية الجنوبية على وضعها على نصب ضحايا الرويس وطرابلس في الرويس لأن عقلا نازيا كهذا لا يفقه معنى وحدة الدم. وقد لا يصل الى مسامعه ان المجلس الاسلامي الشيعي يقيم مجلس عزاء على ضحايا الشيعة والسنة في المنطقتين اللتين توأمتهما الشهادة الاكبر في تاريخ ربط لبنان عنوة وقسرا بالحرب السورية. وهو قطعاً لا يدرك معنى شعارات مسيحية سرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل تدعو المسلمين الى الصلاة في الكنائس بعدما رفع السفاح وتيرة ارهابه في استهداف المساجد.
هذا السفاح، الذي تكشف خطة استباحته الارهابية للبنان انه صاحب المراس الاطول في ترويع لبنان، سقط البارحة وسيسقط في اي تجربة جديدة يعرف الجميع انه سيمضي اليها في ما لم يحسب له لا هو ولا حتى كثر من اللبنانيين انفسهم. الناس في لبنان باتوا هم القضية. ولأنهم الضحايا المتروكة من دون دولة والعزل من الحماية والمفتقرون الى عمالقة رجال الدولة المنقذين باتوا يملكون السلاح الامضى لرد هدف السفاح الى نحره. هو سلاح رفض السقوط في الهوة مهما كلف الثمن، مع كل ما ينتابهم من أمراض الطائفية والمذهبية والعصبية السائدة.
قد يكون مشهد نقل الاشلاء في طرابلس على عربات الخضر يختصر مأساة المدينة المفتقرة الى الحد الدنى من البنى أكثر من أي شيء آخر. مع ذلك نهضت هذه المدينة من الكارثة تنادي بالدولة وترفض الامن الذاتي. سقط السفاح كذلك حين استعاد الناس في غمرة الحداد والحزن العارم كلاما كدنا نظنّ أنه غادر لبنان الى غير رجعة، كلام الوحدة في الدم والحياة والمعاناة. يقولون إن بعضه الكثير تكاذب. ولكن متى نثق بأن الناس يرفضون الفتنة اذا لم نفعل اليوم؟ لبنان الناس كله يقاوم الفتنة ولو لم يكن كذلك لما شن عليه السفاح حربه الارهابية، ولا قيمة بعد هذا لأي تنظير وثرثرة. كل هذا رسمه نهر دماء، والمهمّ أن نصدق ان اللبنانيين يقلبون المعادلة.