حالة «الاستثناء».. كيف نحافظ عليها؟

تم نشره السبت 31st آب / أغسطس 2013 01:07 صباحاً
حالة «الاستثناء».. كيف نحافظ عليها؟
حسين الرواشدة

ما تزال الخارطة “السياسية” للمنطقة العربية غامضة، فحالة الانقسام في مصر - مثلا - لم تحسم بعد لمصلحة أي طرف، وقد شهدنا أمس عودة المظاهرات الحاشدة في معظم المحافظات المصرية رغم اعلان “الطوارىء” واستمرار الاعتقالات الأمنية، ومحاولات اقصاء “الاخوان” وحلفائهم من المشهد السياسي، مما يعني أننا أمام مرحلة طويلة من “الصراع” السياسي والاجتماعي، وان أبواب مصر مفتوحة على المجهول، ما لم تحدث “معجزة” تدفع “الحكماء” الى التوافق على مخرج من الازمة.

في سوريا أيضا، ما تزال “الحرب” بين النظام والمعارضة تتصاعد، ومع اقتراب موعد “انذار” النظام بضربات عسكرية محددة من قبل امريكا (وربما فرنسا) لا يبدو ان “ميزان” القوة سيتغير كثيراً، فمسألة الاطاحة “بالاسد” ونظامه لم تدرج - بعد - على “اجندة” الخارج، ومهمة التدخل العسكري - بكافة انواعه - لا تتجاوز محاولة “اضعاف” النظام وخلق حالة “توازن” بينه وبين المعارضة، مما يعني ان ملف “الصراع” في سوريا سيبقى معلقا حتى الوصول الى “استنزاف” كامل للدولة السورية، وإذعان كافة الاطراف لحلول جاهزة تتناسب مع مصالح القوى الغربية وحلفائها في المنطقة.

إذا دققنا أكثر في “الخارطة” العربية سنكتشف - ايضا - بأن الاوضاع في العراق مرشحة للتصاعد وربما الانفجار، وبأن حدة “الصراعات” الطائفية والمذهبية تنذر بمزيد من الانفجارات والضحايا، كما سنكتشف بأن “تونس” الذي نجح بعد ثورته في ابرام “توافقات” سياسية معتبرة يتعرض الآن لعدوى “الانقسام” ويبدو مرشحاً لتكرار ما حدث في مصر، سواء على صعيد “الصراع” بين المعارضة اليسارية والقومية وبين الاسلاميين، أو على صعيد مواجهة خطر التطرف والارهاب، واذا أضفنا للمشهد “الغامض” ما يحدث في ليبيا والبحرين وغزة بموازاة ما يحدث في لبنان وما تشهده تركيا وايران.. فاننا أمام “صورة” جديدة تعكس ما حدث من تحولات في عالمنا العربي ومحيطه، وما يكتنفها من تدخلات في “الادوار” ومحاولات للاستقواء وبسط النفوذ، ومن حالة سيولة سياسية تشبه “الفوضى”، تجعلنا غير قادرين على “فهم” ما يجري، أو التعامل مع تناقضاته وتحولاته، الا “بالقطعة”، وذلك ما لم يسمح لأحد أن يحدد “تحالفاته” أو أن يحسم اتجاهات قراراته ومواقفه السياسية بشكل دقيق، وهذا يبدو واضحا - مثلا - في الموقف تجاه تركيا، فالبعض يلتقي مع انقرة حول الملف السوري، لكن يعارضها تجاه الملف المصري، وهكذا بالنسبة لايران، بل ان الشارع العربي يبدو منقسماً في داخله حيال المشهد السياسي العربي العام، سواء في الدائرة “الداخلية” الوطنية أو خارجها.

في سياق ذلك، يمكن الاشارة الى مسألتين: احداهما ان عصر التحولات السياسية والاجتماعية في بلداننا العربية لم ينته بعد، وان ما نتابعه ليس اكثر من “مخاضات” قد تسفر عن ولادات غير متوقعة، لكنها تحتاج الى وقت ربما يطول وربما يترافق مع المزيد من الصراعات والدماء والمعاناة، والمسألة الاخرى ان التدخل الاجنبي في هذا الصراع الطويل سيكون محدوداً، فقد قرر “الغرب” والقوى الاخرى الدولية التي تتصارع معه سياسياً، أن يتركوا “لانسان” هذا العالم العربي والاسلامي ان يخوض حروبه بنفسه، وان يدفع ضريبة عقود من الاستبداد والصمت والاكراهات السياسية، وهم يعتقدون ان هذه المرحلة هي مرحلة “تصفية حسابات” بين الشعوب العربية، وان عليهم ان يساهموا في “ادارتها” لا أن يكونوا طرفاً مباشراً فيها الا وفق اعتبارات محدودة، وتبعاً لحسابات مصالحهم، وهذا ما فعلته امريكا مثلا في مصر، وما فعلته روسيا في سوريا، وحتى مسألة “توجيه الضربات العسكرية” لنظام الاسد، فهو مجرد “انذار”، وبالتالي فان احداً في العالم لن يتدخل لمصلحة الشعوب العربية التي تواجه أنظمتها، ولن يدفع “قطرة دم” واحدة لحسم الصراعات بينهما الا اذا شكلت هذه الصراعات تهديداً مباشراً للمصالح الغربية.. وهذا مستبعد حتى الآن.

اذا اتفقنا على ذلك، فان الرهان الذي يعتمده البعض في بلادنا لفض “مولد” الاصلاح، والاطمئنان لنهاية عصر “التحولات” العربية، واشهار الانتصار على المعارضة، يبدو رهاناً خاطئاً، كما ان الانشغال بادامة الصراع واستخدام أدوات التحشيد واشاعة الكراهية ومحاولة “ترويض” الخصوم السياسيين استناداً الى “بشاعة” ما يحدث حولنا، او الى “تفهم” الآخر ودعمه، لا يبدو ايضا صحيحا ولا مجدياً.

وعليه، فان ما نحتاجه اليوم هو التفكير مجدداً “بخارطتنا” السياسية والاجتماعية، ومحاولة تحديد ما يلزم من علامات عليها، واستباق كل ما حدث في الاقليم بحلول ومعالجات تحصننا من امكانية انتقال أي عدوى الينا.. وقد تبدو المسألة هذه بحاجة لمزيد من التفاصيل، لكن العنوان الاساسي الذي يجب ان نذهب اليه هو: التوافق على مشروع سياسي جامع، يجعلنا أكثر قدرة على مواجهة “تقلبات” الداخل، وضبط مزاجه العام.

وعلى مواجهة استحقاقات الخارج والتحوط من امتداد حرائقه الينا.. هذا بالطبع اذا أردنا أن نحافظ على حالة “الاستثناء” التي اختارها الناس والتزم بها الجميع في بلدنا.

( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات