العرب بين واقع أليم ونرجسية في التفكير
فيما سأكتب لن أعتبر نفسي مدافعا عن الحكومات العربية والانظمة بقدر محاولتي أن اتلمس واقعا عربي بدأت مظاهره بتكشف مع بداية الحرب الباردة وتأثر المنطقه بنتائجها ,ففي سياق الحديث عن المثياليات والافكار التنموية التي ينادي بها القومجيون في اوطننا منذ تلك الفتره وصولا الى وقتنا الحالي,علي أن أسأل كل من يعتقد أن المشكله والحل يكمنان في الاعتماد على اليد العربية وتأميم الثروات ....هل نعي حقيقة حجمنا الواقعي ؟
سؤال تترتب عليه نقاط عده نقفز من خلالها على السياسة تارة وعلى الاقتصاد تارة أخرى ,فعلى سبيل المثال لا الحصر النفط العربي والذي يعتبر "الجوكر الاقتصادي" الذي يراهن العرب عليه لبقاء اسمهم مذكورا في معادلات العالم الاقتصاديه ,ففي الحقيقة ان كل السلع التي يستوردها العرب مناطة بارتفاع وانخفاض النفط عالميا , ولا يمكن التلاعب عربيا بالسعر بشكل كبير لان ردة الفعل الغربية ستكون التلويح بورقة السلع ومقايضة ذلك بالنفط, ولا يستطيع العرب منطقيا أن يتفاوضوا على أسعار ما يُستورد لعلمهم بالرد الغربي على ذلك ومطالبتهم بخفض سعر النفط وهذا ما لا يرغبه العرب نهائيا ,وحتى لو فرضنا أن العرب أوقفوا تصدير النفط من باب التهديد فسوف تقوم كبريات شركات النفط ببيع العالم كله النفط بأسعار خيالية تسد النقص وتسد ثغرة توقف النفط العربي مما يجبر العرب العدول عن هذه الفكره , وحديثي عن السلع لا يقتصر على الاستهلاك الفردي بل يسمو الى سلع تعنى بمقومات دول ومحركات اقتصاد داخلي ,فالحديث عن الضغط العربي بورقة النفط في كل أزمة مع الغرب أمر يشكل نكته سياسية واقتصادية بامتياز ,والامر قد يتعدى ذلك ليكون خطئية ترتكب لو فرضنا وحدث ذلك .
ما أود التمهيد للحديث عنه هو المببرات الخفية وراء فتور الحكومات العربية تجاه بناء المصانع والتشجيع على الصناعة الوطنية بشكل كبير ,فالامر ليس طعنا بوطنية تلك الحكومات أو امر شيطاني يكمن وراء ذلك من قبلهم ,بل أريد ذكر أنها تحاول انشاء مصانع وتطبيق أفكار اقتصادية تؤمن فرص عمل للمواطنين قدر الامكان او سد حاجة السوق المحلي من بعض السلع ومحاولات متواضعه لانشاء هياكل اقتصادية تعتمد على الدعم الحكومي تسهم في تطوير المحافظات وتنمية المناطق بالتعاون مع القطاع الخاص ولكن لن تستطيع فعل أكثر من ذلك في الوقت الراهن ومع الواقع العربي الحالي ,فان الاعتماد شبه الكامل على السلع الغربية وعدم مقدرة العرب على التصنيع "المنافس "في السوق لا يضمن عملية بيع وشراء عادله ومضمونه بين العرب والغرب , وذلك سيشكل عبء كبير على الحكومات العربية في اي مفاوضات او اتفاقيات اقتصادية تبرمها الحكومات مع الدول الصناعية ,وهذا طبعا لا يمكننا وصفه الا بوضع اقتصادي صعب عربيا وثورة اقتصادية غربية لا تتوقف ,فالحديث عن محاربة الغرب بقطع النفط أو الاعتماد على الصناعات الوطنية وتشجيعها لا يمكن التصفيق له الا في مهرجانات خطابية او في اعلان لافتتاح مصنع او شركة خاصه ,فالامر يتعدى رغبة الفرد في شراء تلك السلعة او استعمال ذلك المصباح لانه صناعة وطنية أو عربية ,فالامر يصل الى مدى قدرة الدولة العربية على طرح سلعها في السوق ومدى استطاعتها المنافسة في الجوده وكم التباين بين كلفة الانتاج وقدرة التسويق وقيمة الربح ,والفارق الكبير في خبرة التسويق والتصنيع والاداره مقارنه بالغرب , ففي آخر الدراسات التي أجرتها مراكز تنمية الموارد البشرية في الشرق الاوسط أن العرب يعتمدون في انتاجهم المحلي على الغرب بنسبة 62% وذلك يشمل قطع الغيار للآلات التصنيع وشراء الالآت نفسها ومخططات التركيب وعقد اتفاقيات الصيانه سنويا مع شركات غربية الى آخره بما يناط ويتعلق بفكرة أن اللالات التي تصنع السلع الوطنية آلات غربية المنشأ .
اذن القضية قضية ضعف عربي مزمن لن يُحل بمثاليات اقتصادية وتهريج سياسي بان كل الدول العربية تمتلك اوراق رابحه ,فحديث العجائز بان الدولة الفلانية تمتلك نفط تستطيع ايقاف تصديره حديث لا عمق فيه , فالغرب يمتلك احتياطي يمنحه قدرة التفكير براحه تامه و لوقت طويل في ايجاد بديل آخر ,ولو حاولت دولة اخرى ايقاف تصدير القطن او المواد الخام ثمينة القيمة والدور , فالغرب قادر على ايقاف مئات السلع عنها وتركها في حرب غلاء اسعار مخيفه , وتجعلها رهينة الاسواق السوداء وشركات المقايضات الظالمه , وخسارة مليارات الدولارات مقابل ذلك كله ,عدا عن انهيار البورصات العربية الى اقصى حد في حال أن الغرب طرح سلع تماثل نظريتها العربية في السوق بسعر منخفض مشكله بذلك شلل شبه كامل للاقتصاد العربي
وطبعا لم نتحدث عن المديونية الرهيبه التي تعاني منها الدول العربيه والعجز شبه المستمر في ميزانياتها والتي تجعلها رهينه المفاوضات المستمره مع البنك الدولي والذي طبعا يعتمد على دعم الدول الكبرى والتي بدورها تضع شروطا في كيفية الدعم والاقراض وما مدى تناغم ذلك مع مصالحها ,اذن نحن في داره اقتصاديه تغلق وتفتع بامر الكبار وعلى العرب أن يتفهموا ذلك جيدا ,فلا داعي لاتهام الحكومات او الوزير الفلاني او رئيس حكومة بأنه غير جاد بالاصلاح او انه لا يمتلك هو وحكومته أي افكار اقتصادية تنقذ التردي الحاصل ,فالقضية فاقت مستوى الحلول الاقتصادية التي تدرس في الكتب والكليات ,والامر أصبح يكمن في الحفاظ على الاقتصاد في استقرار مستمر وايجاد طرق لربط عملة الدولة بعملات الدول الكبرى, وجعلها تطوف باستمرار على السطح لكي لا تغرق في دوامة الازمات الاقتصادية عالميا او بسبب الحروب او الكوارث الطبيعية وما شابه ذلك ,وأود ذكر نقطة وهي أنني لست صاحب اختصاص او محللا اقتصاديا بل فردا عربيا حاول التفكير فيما يأكل ويلبس ويركب ومع ماذا يتفاعل ويتابع "بانصاف "ممارسات الحكومات وعلى اطلاع متواضع على قدرة الغرب وبمنطق عقلي بسيط كتبت ما تقرأونه الان..
وبكل تاكيد هناك حل .....لن أكتب كثيرا عنه لانه بسيط ولكن توقعي أن الاجابة على مدى قدرتنا عليه هي الاصعب ,اذا كان بالامكان الاستغناء فترة من الزمن عن نصف ما نستهلك ونشتري , والاستغناء عن ثُلث ما يوجد في منازلنا وايقاف 80 % من تفاعلنا مع التكنولوجيا , وتفعيل دور التفاعل الانساني المباشر , وصولا الى الاعتماد على سبل الانتاج والعمل والاستهلاك البشري بمبدأ المقايضه العادله , والتحول الكامل الى الاكل من الارض وقتها نستطيع بدأ الاصلاح الحقيقي للاقتصاد والوضع العربي ,ويُقال أن الملك فيصل رحمة الله قال لكسينجر في احدى المرات:".مازال العرب قادرون على العيش في الخيم وتناول التمر واللبن والتسامر قرب النارمع فنجان القهوة "....لا أدري كم هم القادرون على فعل ذلك من العرب ! ولكن حتى أكون منصفا ذكرت الحل من وجهة نظري .