تحالف إقليمي ضد التحول الديمقراطي

استطاعت الأطراف الإقليمية المتضررة من التحول الديمقراطي الذي بدأ في بعض الدول العربية، من بناء تحالف اقليمي قوي ،يهدف الى إجهاض هذا التحول وإفشاله، واعاقة محاولات الشعوب العربية المقهورة من تحقيق التمكين المجتمعي القادر على مقاومة الاستبداد المتحالف مع الفساد ،الذي أحكم قبضته على مقاليد الحكم منذ زوال الحقبة الاستعمارية لمدة تزيد عن نصف قرن من الزمان.
هذا التحالف يضم دولاً وقوى سياسية مختلفة ومتباينة يجمع بينها مصلحة مشتركة ؛تتمثل برؤية تقول:أن تحرير إرادة الشعوب العربية تعد خطراً حقيقياً بات وشيكاً، يهدد بقاءها واستمرارها، وسوف يطيح بها أجلاً أو عاجلاً، وأول هذه الأطراف المتعددة، هو الكيان الصهيوني المحتل الذي اخترق المنطقة في ظل تفرق العرب وضعفهم، وفي ظل معادلة سياسية قائمة على وجود شعوب مقهورة مشلولة الارادة، ووجود أنظمة فردية وديكتاتورية متسلطة ،استطاعت تبديد الثروة، وتعطيل الوحدة، ومطاردة الأحرار، وقتل الحلم العربي نحو الوحدة والقوة والحرية والكرامة والديمقراطية، ويشعر الكيان أن الخطر الأول هو تحرير إرادة الشعوب العربية.
الطرف الثاني في هذه المعادلة ؛الأنظمة العربية المستبدة، التي تفتقر الى شرعية الاختيار الشعبي،وتشعر بالرعب من تحكيم صناديق الاقتراع! والتي خافت من شبح الديمقراطية الوليدة، وشعرت باقتراب الخطر من حدودها ،وتهديد مكتسباتها، والتي استطاعت أن تجني ثروة هائلة ،تقدر بآلاف المليارات من الدولارات خلال فترة استفرادها بالسلطة والنفوذ والقرار.
أما الطرف الثالث فيتمثل بالنخب السياسية ومافيات الفساد، التي نشأت وترعرعت حول الأنظمة القائمة، وما تفرع عن ذلك من علاقات مختلفة ومتعددة أخذت الواناً شتى، بعضها سياسي وبعضها اقتصادي، وبعضها مراكز قوة ونفوذ، وشبكات مصالح ونسب ومصاهرة وصداقات وشلل ،وجدت نفسها في دائرة الاستهداف والملاحقة ،ومهددة بفقدان مكتسباتها والوقوع في قبضة العدالة.
شعاع / بقية
بقي الحديث عن الطرف الرابع المتمثل بالقوى السياسية التي تشعر بالهزيمة في ظل تقدم قوى سياسية جديدة، وأجيال ناشئة بعيدة عن الأطر التقليدية التي استنفدت أغراضها، وأخذت فرصتها أكثر من مرة، وأثبتت فشلها وعجزها وعدم قدرتها على تحقيق الشعارات الكبيرة المرفوعة على مدار السنوات السابقة، رغم أنها كانت مطلقة اليد ومستفردة بكل أوراق القوة، مما جعل هذا الطرف ينضم الى التحالف المناهض للديموقراطية بكل وضوح وصلف،من اجل التخلص من هذا الخصم الذي يحظى بالشعبية وفرصة الفوز عبر صناديق الاقتراع.
اعتمد التحالف الجديد على مجموعة مسارات فاعلة ومؤثرة وناجحة، تمتاز بالمكر والدهاء.
المسار الأول :تشكيل ذراع اعلامي طويل، يتمثل بقنوات اعلاميّة عديدة، وصحف ومواقع الكترونية، ترمي كلها عن قوس واحدة، تهدف الى تشويه ثورة الشعوب العربية، وتشويه منجزاتها وأدواتها وأشخاصها، وشن حرب إعلامية شاملة ؛تنتقد التغيرات السياسية الجديدة، وصبغها بالفشل والعجز، وإبراز الأخطاء وتكبيرها ونشرها، وإشاعة الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة ،التي تضلل العامة وتخدع الشعوب.
المسار الثاني: الاعتماد على استراتيجية تخويف العالم من نتائج التغير بأنه سوف يأتي بالاسلام السياسي والحركات المتطرفة والاتجاهات السلفية، ولذلك نجد هناك خطابا مشتركا واحدا لكل قوى التحالف يصر على عدم ذكر الديموقراطية أو المجالس التمثيلية أو الرئيس المنتخب، إنما يقتصر الحديث على ذكر حكم الاخوان! الرئيس الاخواني! المجالس التي يسيطر عليها الاخوان! وركزوا عداءهم على مجيء الاسلاميين وليس على مجيء الديموقراطية!!
المسار الثالث:العمل على اختراق الساحات العربية،واحتراق المعارضة، وتشكبل الفصائل المقاتلة،ومدها بالسلاح والمال، وجرها الى العنف،و الانفاق المالي السخي على خصوم الديموقراطية، وشراء الذمم، والانفاق على وسائل الاعلام، وبعض الشخصيات الاعلامية المشهورة القادرة على جذب الجمهور، وتحقيق حضور اعلامي بارز بالاضافة الى شراء ذمم بعض الشخصيات السياسية والقوى السياسية المناهضة لقوى التغيير.
المسار الرابع :استخدام الجيش والقوة الباطشة في إخماد صوت المعارضة! واللجوء الى سياسة الرعب والصدمة في سحق الجماهير، وعدم السماح مرة أخرى باستمرار المظاهرات والاعتصامات والحشودات الشعبية في الشوارع والميادين، حتى لا تبقى ضمانة لاستمرار الثورة الشعبية، ووقف استئناف مشوار مواصلة تحرير الارادة الشعبية.
وفي مواجهة ذلك ينبغي فهم خطة التحالف المناهض للديموقراطية من خلال مسارات مضادة؛المسار الأول: يجب أن يتمثل ببناء تحالف متماسك من قوى الثورة، بحيث يكون هذا التحالف مستمراً ودائماً، وليس مؤقتاً، ويملك رؤية استراتيجية واضحة لخارطة الطريق المستقبلية، ويقوم على عقد اجتماعي شامل يتفق على شكل الدولة، وعلى قواعد اللعبة السياسية، ويبتعد عن الخلافات الأيدولوجية والمناكفات الحزبية.
المسار الثاني: يتمثل بسلوك طريق التمكين المجتمعي القائم على التوافق الشعبي العام، والحشد الجماهيري الكبير، عبر اطر واسعة ومرنة، مع الإصرار على ألوان الاحتجاج السلمي الحضاري، البعيد عن مسلك العنف واستخدام القوة، مهما كانت درجة الاستفزازات من قبل الأنظمة.
المسار الثالث: مواجهة الخطة الاعلامية بخطة اعلامية ناجحة قادرة على كشف التضليل والخداع، ومواجهة الاشاعات والاكاذيب، بطرق ذكية وفاعلة، والتركيز على هدف تحرير ارادة الشعوب، وتحقيق الحرية واستعادة الكرامة وحق الامة باختيار حكامها عبر صناديق الاقتراع النزيهة، والبعد عن الشعارات الايدولوجية والخلافية،ومواجهة الاختراقات من كل لون ومن كل شكل .
المسار الرابع: اتباع سبيل المراجعة الجريئة ،وخاصة من قبل القوى السياسية المحورية ؛لكل الاجراءات والسياسات والتحالفات خلال المرحلة المنصرمه، ومعرفة الاخطاء والوقوف عليها بعقل هادئ، وبصيرة ثاقبة، وقادرة على تجاوز المحنة بعزيمة واصرار، وصبر ومصابرة.
( الدستور )