في 11 أيلول؟

يدرك العالم العربي ونحن منه أن لا مكان للماورائيات والرمزيات في العقل الأميركي، ولكن ذلك لن يحول دون رمزية تبدو مقبلة هذه المرة مع أوراق ايلول الطالع بحمى غير مسبوقة أشعلها الرئيس باراك أوباما عبر مفاجأته العالم بالعودة الى الكونغرس في قرار الضربة للنظام السوري.
هو أيلول اللاهب للمشاعر الاميركية التي ستحل المفارقة المذهلة في شروع الكونغرس في مناقشة قرار الضربة قبل يومين فقط من ذكرى 11 ايلول 2001 مع كل ما يمكن تصوّره من تأثير لها في نتائج التصويت والقرار الحاسم. وهو أيلول الاقليمي الأسود الذي يزنر الشرق الأوسط بزلازل تصاعدية لا احد يمكنه ان يتصور سلفا اي سيناريو افتراضي لحجمها ان حصل الرئيس اوباما على التفويض بالضربة موسعة كانت أم محدودة في ذكرى 11 ايلول بالذات. وهو ايلول اللبناني الذي لا ندري ما اذا كان عيد الصليب وحده سيكون كافيا لتلطيف لهبه واستسقاء حبات مطره الاول للتخفيف ولو قليلا من لعنة الذعر الذي يجتاح لبنان.
ايلول الحمى هذا كأنه استجمع كل ما اعتمل جراء الصراع في سوريا وقبله ومعه وبعده في الشرق الاوسط كله ليحتكر لنفسه ميزة الشهر الذي غدا أشهر الشهور في الازمنة بعدما انطلق عصر حروب الارهاب في غرة هذا القرن. لم يمر زمن بعيد على القول الشهير انها حرب المئة عام المقبلة. وها هي الآن في احد فصولها الاكثر توهجا. وماذا عن لبنان الواجف؟
ترانا كلبنانيين وبلا اي مكابرة كالفئران الواجفة في زمن عودة البوارج متزامنة مع كوابيس السيارات المفخخة والتفجيرات واحتدام الانقسامات اللبنانية والمجهول الذي يتهدد الدولة والنظام والأمن والناس. لا ندري اذا كانت ضربة يتمنى كثيرون ان تجهز على النظام السوري ستوقف مد ارهابه الى لبنان على غرار آخر مآثره في طرابلس، ولا ندري اذا كانت الضربة التي يتمنى آخرون ان تعوم هذا النظام سيغرق لبنان في اثمان قاتلة. حسبنا ان نرى القلق في ذعر قل مثيله لدى اللبنانيين في عز الحروب الداخلية والخارجية. بات اللبنانيون أقل شجاعة بكثير عما كانوا عليه، إنها علامات النضج وعلامات الوهن لكنها علامة التوق الى الحياة لأن الارهاب لم يضرب بلدا في المنطقة اكثر مما فعل في لبنان منذ اربعة عقود.
سيغرق اللبنانيون أسوة بكل العالم الآن في التبصير والتنجيم والاجتهاد على مسافة تسعة ايام او عشرة من قرار الضربة او عدمها. ومع ذلك لن يبدل الامر شيئا عندهم ما دامت "وظيفة" لبنان هي "الساحة" لأي من الخيارين. فأي إرهاب أعتى من ذلك؟ وما ذنب ايلول لولا ان الارهاب غمسه يوما بما أشعل حربا كونية؟
( النهار اللبنانية )