غور المزرعة وذكرى ربيع

تم نشره الإثنين 09 أيلول / سبتمبر 2013 02:37 صباحاً
غور المزرعة وذكرى ربيع
د.رحيل محمد غرايبة

ربيع زريقات شاب أردني ينحدر من عائلة كركية، سكنت عمان منذ عقود، أكمل دراسته الجامعية في بيروت متخصصاً في مجال التصوير، وعندما رجع الى الأردن أشغله التفكير في البحث عن دور يخدم من خلاله وطنه وأهله، وبعد رحلة من البحث والتحري في مناطق الفقر وجيوبه، وقعت عيناه على قرية غور المزرعة الرابضة على الحافة الجنوبية للبحر الميت، الذي يتعرض للجفاف والتقلص الملحوظ والمشاهد من السكان، أمام تمدد الفقر والمعاناة.

في هذه القرية التي تمثل شريحة عريضة من اهل الغور الذين ورثوا أرضاً مثقلة بالديون، ولم تعد كافية لتغطية حاجاتهم المتزايدة في ظل بيئة عجزت عن تطوير الحالة الزراعية التي كان من المؤمل أن تمثل نسبة كبيرة ومهمة من الدخل القومي، فاضطر قسم كبير منهم الى بيع أرضهم وأصبحوا عمالاً ومزارعين فيها وغير قادرين على تأمين حاجات أبنائهم الباحثين عن التعليم والعمل وتحسين أوضاعهم الاجتماعية،في هذا المكان وجد الشاب ربيع ضالته، وعمل على تأسيس مبادرة «ذكرى»، التي شكلت ومضة مضيئة في ليل الغور المعتم الساكن المثقل بالهموم.

مبادرة ذكرى تشكل لوناً ذكياً ومختلفاً من العمل، ممزوجاً بالبساطة وعدم التعقيد، تقوم على فلسفة صحيحة تنبع من الإيمان بأن مجتمعاتنا القروية والريفية والغورية تحوي بذور الغنى رغم الفقر الظاهر، وتحتاج هذه البذور الى رعاية وعناية وتنمية وتطوير، بطريقة طبيعية سهلة بعيداً عن تقليد الأفكار الوافدة، وبعيداً عن استنساخ التجارب الغربية عن ثقافاتنا وحضارتنا وتراثنا، كما يجري في العاصمة وما حولها وعلى طريقة الجمعيات الخيرية ؛ التي تعتمد على فلسفة التبرع الذي يديم الفقر ولا يعالحه، ومن هذا المنطلق رفعت المبادرة شعار ( تبادل لا تبرع )، أي من يريد تقديم المساعدة ينبغي أن يستثمر في ما تختزنه هذه المجتمعات من طاقات وامكانيات، من أجل الشروع في انجاز عملية تبادلية، تحفظ كرامة الناس وتنمي لديهم الاحساس بالقدرة على الانتاج، ولا تجعل منهم متسولين يتلقون المساعدات من يد فوقية عالية !

شعاع / بقية

هذه المجتمعات قادرة على استغلال موارد الطبيعة بذكاء، وقادرة على ضبط عمليات الاستهلاك بيسر وسهولة، وقادرة أن تجعل من البيوت العادية والحدائق حولها بيئة منتجة تغطي حاجات سكانها الضرورية من خلال أمور بسيطة؛ تتفننها ربات البيوت بالفطرة والخبرة الموروثة، ولذلك ركزت المبادرة على تشجيع ربات البيوت على ايجاد البيئة المنتجة، حيث عرضت نماذج من بيوت (أم عمر) و(أم بكر )و(أم اسد)التي تزرع حول البيت البطاطا والبندورة والبصل، واشجار الليمون وغيرها، وتستفيد من الماء المستعمل في البيت حيث جعلت قنوات بسيطة و مجاري معدة تنقل الماء الى حديقة المنزل بسهولة، كما ركزت المبادرة على استغلال ربات البيوت لحبات البطاطا والبصل الذي اصابها التلف بزراعتها و الاستفادة منها ، وعدم المسارعة برميها في النفايات، كما عرضت المبادرة لقدرة ربات البيوت على اعادة تدوير اكياس البصل والبطاطا لتحويلها الى (ليف جلي وحمام )) .

إن هذه الأمور التي تبدو بسيطة، انما تمثل منهجاً سليماً في التوفير وتطوير القدرات الذاتية على الاستفادة من البيئة المتاحة، وعدم الاستغراق في عقلية الإسراف والتبذير، وعدم الاستسلام لحياة الاستهلاك، وفي هذا السياق ينبغي إبراز معنى التقدم الحقيقي الذي يكمن في القدرة على الإنتاج، وليس التقدم في الاستهلاك، وأن الغنى الحقيقي يكمن في تطوير الذات وليس في الاستيراد والتقليد !!.

عمدت المبادرة الى استحداث مبدأ السياحة التبادلية، التي تقوم على استقدام مجموعات سياحية من المدن، الى غور المزرعة، من أجل استحداث نوع من التعليم المتبادل مع مجموعات محلية،فأولئك يتعلمون كيفية زراعة النباتات وكيفية قطفها، وعمل الخبز على «الصاج»، ويشترون بعض انتاجهم، في مقابل ما يستطيع تقديمه الآخرون من تسهيلات وعروض مقابلة.

استطاعت المبادرة أن تستثمر في قيمة التكافل والتعاون المتأصلة في المجتمع نفسه، المتمثلة في عملية مساعدة بعضهم بعضاً، فمثلاً من أجل بناء بيت لعائلة فقيرة لا تجد مسكناً ملائماً ؛تم استخدام طريقة بسيطة للتعاون الجمعي توزيع التكاليف عبر قسائم لشراء المستلزمات المطلوبة من طوب واسمنت وحديد، يتم شراؤها من الآخرين.

اعتمدت المبادرة أسلوب (التعليلة) الذي يجتمع فيه السكان ليلاً ويسمح لمن يريد تقديم فقرة شعرية أو غناء وطني، أو خاطرة أو فكرة لمدة دقائق معدودة، وأسفرت هذه التعليلة عن ظهور مواهب شعرية وأدبية؛ استطاعت أن تفوز في بعض المسابقات على مستوى الأردن، وربما على مستويات اقليمية، مما يؤدي الى ظهور بعض المواهب وتنميتها، بإلاضافة الى تأمين بعض الشباب ببعض المنح التدريسية في الجامعات، مقابل العمل التطوعي في المبادرة.

أتمنى على الشباب الأردني أن يعمدوا الى تعميم هذا النموذج في العمل التطوعي والتنموي، وأن يعمد الشباب والفتيات الى البحث عن نموذج إبداعي لخدمة أوطانهم ومجتمعاتهم المحلية؛ إبداعية ونماذج خلاقة جديدة.

( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات