"معضلة الأردنيين": هل نعترف؟

عندما انتقد رئيس وزراء ماليزيا السابق، مهاتير محمد، أبناء عرقه الملاوي ووصفهم بالكسل في كتابه "معضلة الملايو"، قبل 43 عاما، ثار المجتمع ضده، وعوقب وحوصر. لكن الكتاب والأفكار انتشرت سريعا بين الماليزيين، وشكلت قاعدة لروح جديدة وحياة مختلفة ينعمون بها اليوم، بعد أن انتقل وصف عاصمتهم، كوالالمبور، من مدينة الطين، إلى عاصمة الحداثة والصناعة والرقي ضمن عواصم دول جنوب شرق آسيا.
في مطلع سبعينيات القرن الماضي، لم يكن لدى الماليزيين خطة أو رؤية لإدارة موارد الدولة وبناء الاقتصاد. وكان الملايا، وهم العرق الأصلي في البلاد، قد استسهلوا الفلاحة بشكلها البسيط وغير المنتج، كما لم يكن التعليم أولوية في التنمية والمعيشة آنذاك، وسرت في أوساطهم ملامح الكسل والفشل، حتى جاء من بينهم من يدعو إلى التغيير وفق رؤية وجدت من قاومها، لكنها صمدت وحققت المعجزة في غضون سنوات قليلة. وما يزال النجاح ماثلا، ويؤسس لرؤية 2020 التي تسعى من خلالها الدولة إلى أن يكون معدل دخل الفرد الماليزي مقاربا لمعدل دخل الفرد في الغرب، وأن يصبح المجتمع الماليزي ضمن مصاف المجتمعات المتقدمة.
صحيح أن الأردنيين اليوم ليسوا في وضع مشابه للملايا قبل أربعة عقود، لكن الدروس المستخلصة من هذه التجربة الثرية تساعدنا –إن أردنا النجاح– على بناء نموذج اقتصادي قائم، أولا، على أفكار تضع الأردن والأردنيين وحقيقة الاقتصاد أمام المرآة. ألا يوجد في النخبة التي تفكر لمستقبل البلاد الاقتصادي من يضع المجتمع أمام واقعه الفعلي لا المفترض أو المتخيل؟ في تقديري أننا بحاجة إلى جمع الأفكار -كما فعل مهاتير- ونشرها حتى لو كانت صادمة للمجتمع، حتى يكون الأردني وجها لوجه أمام الحقيقة المُرّة، وأن النخب التي أنتجتها قد فشلت في نقله من حالة النكوص والكسل إلى التطور والإبداع.
معدل الإعالة المرتفع يؤشر إلى أن الكسل تسلل بالفعل إلى الأردنيين خلال العقود الثلاثة الماضية. كما أن ارتهان الأردنيين لفسيفساء العمالة العربية والآسيوية التي تسيطر على مشهدنا الاقتصادي، لن يعود بالخير عليهم، وهم الذين ليس لديهم ماء أو نفط! والإمعان في طلب الوظيفة الحكومية، حوّل الجهاز البيروقراطي إلى جسم مليء بالعلل، على حساب تنافسية المؤسسات ومستقبل الاقتصاد والتنمية. وكل هذا في موازاة استسهال للمحسوبيات والواسطات والجرائم الاجتماعية والاقتصادية الأخرى وعدم احترام القانون، وصولا إلى تعليم يقترب من محو الأمية في الجامعات.
الكتاب المقترح، ولا بأس في تقليد عنوانه تحت اسم "معضلة الأردنيين"، يجب أن يجيب عن سؤال تبعية الاقتصاد وعدم اعتمادنا على الذات، وأن يؤسس لأفكار ورؤية تنقلنا إلى واقع آخر جديد متطور، وفق منهج إصلاحي هادئ، بعد أن نرمي وراءنا كل أشكال التجريب الرسمية التي مرت بنا في السنوات الماضية، ولم تؤد إلى تعميق الأزمات.
لا أعتقد أننا بحاجة إلى وزراء في الميدان! نحن نحتاج إلى استراتيجيات تنقل المجتمع وتشتبك مع تركيبته بقصد إصلاحها، وتطويعها لخدمة التنمية. فالوزراء في أندونيسيا وماليزيا وسنغافورة يعملون من مكاتبهم، وليس مطلوبا منهم التجول في الولايات والقرى والأطراف، إذ إن الأفكار والخطط تعمل بشكل ديناميكي، ولا حاجة للانتشار الرسمي الشكلي في وقت تغيب فيه الخطط والاستراتيجيات.
( المصدر : الغد )