أجراس مقلوعة الألسنة!

تم نشره الأربعاء 18 أيلول / سبتمبر 2013 01:21 صباحاً
أجراس مقلوعة الألسنة!
خيري منصور

فيما مضى كان الناس يتساءلون كلما عمّ البلاء عمن يعلق الجرس، ثم جاء زمن قلعت فيه حتى ألسنة الأجراس فأصبحت معدومة الرَّنين، فالحياة اختزلت الى أقل من رغيف ومساحة الحرية أقل من مساحة قبر، رغم كل هذه الثرثرة عن حقوق البشر، لأن الطبعة الآدمية التي أعدتها العولمة هي حيوانية بامتياز، فالإنسان الصغير كما سماه فيلهلم رايتس مخير بين أن يعلن فقره أو يخفيه وبين أن يذبح بسكين مقبضها ذهبي أو سكين أعمى مغطاة بالصدأ، لكن من فضل الجهل على بعض الناس أنه يحجب الحقائق المرة والسوداء ويجعلهم مستغرقين في شجونهم اليومية الصغرى، فلا يموتون الا عندما يموتون بالفعل بعكس الآدمي الحرّ الذي يموت مراراً قبل أن تأزف لحظة موته، لأنه كائن يتخيل، وليس رزمة من ردود الأفعال الغريزية.

وعلى ذكر الجرس الأخرس والمقلوع اللسان، تحضرني عبارة للشاعر الفرنسي هنري ميشو، فقد قال إن من حسن حظ فرنسا أنها استخدمت المقصلة لقطع الرأس بعكس تلك الدول التي تقطع اللسان وتبقي على بنية الجسد، بحيث يتحول الى دودة عملاقة تسعى من أجل القوت فقط!

إن مفارقات عصرنا العجيبة جعلت من يمجدون الحرية ويهتفون باسمها ينكلون بالأحرار، تماماً كما أن من يتغنّون بالعروبة جعلوا العربي أقل من بهيمة لفرط ما تلذذوا بتعذيبه وحصاره.

وكذلك الأمر بالنسبة لفلسطين التي يقول الجميع إنها قضية القضايا كلها بالنسبة اليهم، لكنهم بقدر ما يهتفون لها ينكلون بالفلسطيني الذي أصبح شريداً بين مخيمات ومقابر جماعية.

والأرجح ان هناك سوء تفاهم عميق حول تعريف أبسط البديهيات، بحيث تبدو الحرية لدى الأميّين في أبجديتها مجرد ممارسة الحياة في حدّها الأدنى، فالحرّ تبعاً لهذا القاموس الجديد هو الذي يستطيع أن يختار ما يأكل ويشرب والجنب الذي ينام عليه.

لم تعد هناك أجراس تصلح للتعليق سواء في أعناق القطط أو الثعابين لأن الخرس تحول الى وباء واللسان اقتصرت وظيفته على المَضْغ والانغماس في اللعاب.

قبل عقود قال الكاتب الراحل يوسف إدريس إن الحرية المتاحة في العالم العربي لا تكفي كاتباً حراً واحداً، واعتذر منه لأضيف أن هذه الحرية لا تكفي مقالة واحدة إذا قرر كاتبها أن يسمي ثلاثة أشياء فقط بأسمائها الحقيقية!

( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات