الشعب السوري الذي لا بواكي له

كان الشعب السوري المبتلى بنظام ديكتاتوري مستبد وقاتل "لقمة سائغة" على موائد اللئام الذين لم يهبّوا لتضميد دمائه التي تسيل ومعاقبة المجرم الذي ارتكب الجريمة بل وجدوا في دمه فرصة لتجريد النظام الأرعن والمستبد من "السلاح الكيماوي" الذي طالما تفاخر به واعتبره سنده الاستراتيجي الذي يُوازي سلاح "إسرائيل" النووي ليس لأن النظام قد يستخدمه ضدّ "إسرائيل" بعد أن استخدمه ضدّ شعبه وإنّما خشية من أن يقع هذا السلاح في يد الجهة الخطأ والذي ليس بالتأكيد النظام الحالي الذي نجا مؤقتًا من الضربة بعد جريمة ريف دمشق لكنه وقع في بئر لا قرار له سينتهي بزواله..!!
أمريكا ومعها "العدو اللدود" روسيا انحازتا في جنيف لمصالحهما على حساب دماء الشعب السوري الذي لا بواكي له وقدّمتا أمن "إسرائيل" على كلّ القيم الأخلاقيّة والمبادئ الإنسانيّة وفشلتا معًا في اختبار المصداقيّة وظهرتا على حقيقتيهما كبلدين تُحرّكهما المصالح لا المبادئ حتى لو كان الوجه الآخر لهذه المصالح الدماء.
اللافت حالة النشوة والشعور بالانتصار لدى النظام الذي اعتبر أنه انتصر في مواجهة التهديد الغربي وأنه نجا من الضربة العسكريّة وأن النظام باق في السلطة ولن يرحل وهو انتصار يدعو للرثاء على نظام "الممانعة والمقاومة" الذي ترك للآخرين أن يقرّروا نيابة عنه وفتح أبوابه للآخرين كي يعبثوا بها ثمنًا للبقاء في السلطة.
لقد عرّت صفقة جنيف بين واشنطن وموسكو نظام الممانعة ونزعت عنه ورقة التوت فظهر على حقيقته نظامًا طائفيًّا جيء به لحماية أمن "إسرائيل" هذه مهمّته كانت وستبقى كما رسم الآخرون له إلى أن يكتب الله النصر للشعب السوري وهو حتمًا سينتصر بإرادته وتضحياته طال الزمن أو قصر.
حالة النشوة وشعور الانتصار لدى النظام دفعت به لتصعيد حملته العسكرية فاستأنف قصف معاقل المعارضة حول دمشق، حيث سقط المئات من المدنيين ضحايا حملته العسكرية يُضافون إلى أكثر من مائة ألف قتيل سقطوا منذ بداية الثورة السوريّة.
الرسالة التي وصلت النظام -كما يبدو- ويجب أن تفهمها المعارضة السوريّة بدليل التصعيد العسكري للنظام وعودته لقصف المدنيين بالطائرات وبراميل الموت أن واشنطن وموسكو قد رسمتا معًا الحدود التي يُمكن أن يُسمح فيها لجيش النظام وشبّيحته بالقتل فما دام القتل موجهًا ضدّ الشعب السوري وفي الإطار المحلي وعدم تهديد الجوار خاصّة "إسرائيل" فإن النزاع سيحتمل وسيترك لأيّ من الطرفين النظام أو المعارضة أن يحسمه أيّ منهما لمصلحته.
أمّا المُثير للسخرية فهو دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجريمة التي شهدتها غوطة دمشق في شهر أغسطس الماضي بعد تقرير المفتشين الدوليين الذين أكّدوا وقوع هجوم بالسلاح الكيميائي"غاز السارين" دون أن يُحدّد من هو المجرم أو كيفيّة محاسبته رغم أن الجميع يُدرك ويعرف المسؤول عن جريمة الحرب هذه. فهو لم يُقدّم آلية محدّدة لذلك ولم يُوجّه دعوة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة أو يطلب تشكيل محكمة لجرائم الحرب خاصّة بسوريا بعد ثبوت استخدام السلاح الكيماوي وطالب مجلس الأمن في المقابل بالاستعداد لفرض عقوبات في حال لم يقم النظام بتفكيك ترسانته الكيميائيّة وهو ما يشي بأن النظام قد يفلت من العقاب.
الصفقة الروسيّة - الأمريكيّة كانت على حساب الشعب السوري الذي لم يكن ممثلاً في لقاءات جنيف فقد مثلت موسكو" النظام" وتحدّثت باسمه ودافعت عن بقائه في السلطة ومثلت واشنطن "إسرائيل" وحققت هدف استمرار الحفاظ على أمنها من خلال نزع الأسلحة الكيمائيّة وتدميرها أمّا الشعب السوري فقد تُرك وحده يُواجه آلة القتل التي يقودها النظام فيما قُدّم الفتات وقُدّمت الوعود للمعارضة لتسليحها من أجل أن تكون قويّة ليتسّنى لها ليس الانتصار على النظام وإسقاطه بل للجلوس معه على طالة المفاوضات في مؤتمر جنيف 2 المرتقب.
لقد سقط ضمير العالم في ظلام دامس ولم يعد يُقلقه دماء الأبرياء. وإلاّ ماذا يعني أن صورة لفتاة فيتناميّة عارية تهرب من قنابل النابالم الأمريكية الحارقة أوقفت حرب فيتنام فيما فيديوهات الموت بالسلاح الكيميائي الناطقة بالألم والمعاناة والتي تستصرخ الإنسانيّة تعجز عن وقف حرب الإبادة المستمرة في سوريا..؟!
( الراية القطرية )