إسرائيل دولة يهودية غير ديموقراطية

يستمر مؤيدو إسرائيل في العالم في تصويرها دولة ديموقراطية، وفي التأكيد أنها ستبقى كذلك رغم لاديموقراطية المحيط الجغرافي الذي تعيش فيه واستبدادية أنظمته. ويتم ذلك بدراسات "معمقة" تنشرها مراكز أبحاث وبمحاضرات تلقيها شخصيات علمية وأكاديمية معروفة. وإذا كان ذلك يمر دائماً من دون اعتراض ومن دون أي محاولة علمية للتثبت من صحته، وخصوصاً في ظل الشكوك المتعاظمة التي بدأ كثيرون في الغرب يشعرون بها حيال ديموقراطية إسرائيل، فإن مروره ومنذ سنوات قليلة جداً لم يعد بهذه السهولة. ويظهر ذلك في وضوح ليس في "ردود" منفصلة على الدراسات والمحاضرات والمقالات المشار إليها، ولكن في ورودها داخل الدراسات المعمقة وخصوصاً التي تجريها مؤسسات بحثية عريقة تحاول إظهار انها تحترم نفسها رغم أن هدفها الأساسي هو الترويج لديموقراطية إسرائيل، وإثبات المصالحة بين مفهومين متناقضين في إسرائيل التعددية هما يهودية الدولة وديموقراطيتها. وقد وقعتُ أخيراً على "ردّ" من التي أشرت إليها أعلاه أعدّه الفيلسوف السياسي الأميركي مايكل والزر قبل نحو عامين. وجاء فيه أن إسرائيل ليست دولة الشعب اليهودي، لأن اليهود خارجها وغير المواطنين فيها لا يمارسون حق الإقتراع فيها في حين يمارسه المواطنون الإسرائيليون غير اليهود. وجاء فيه أيضاً أن الشعب اليهودي المنتشر في العالم ليس "سيداً" (من سيادة) في إسرائيل بخلاف مواطنيها. وبعد ذلك، انتقل والزر إلى تفصيل أسباب إقتناعه بعدم يهودية دولة إسرائيل ولاديموقراطيتها. أولها، إن القوانين التي صدرت فيها في السنوات الأولى لتأسيسها وضعت الأساس القانوني ليهوديتها أو للوصول إلى هذه اليهودية. ومنها قانون "العودة" وقانون "الغائبين" وقانون الجنسية. لكن ما فعلته القوانين هذه كان "مأسسة" نظام عنصري إثني وديني في آن واحد، وذلك بمدِّ حدود إسرائيل كي تشمل كل يهودي في العالم خارجها وباستثناء الفلسطينيين الذين طردوا منها من العودة إليها. وثانيها وجود فرق داخل إسرائيل بين المواطنية والتابعية رغم بعض التشابه بينهما الذي يدفع إلى استعمال كل منهما للتعبير عن أمر واحد. ومن شأن ذلك تعزيز الإنقسام بين الدولة كإطار لكل مواطنيها على تنوعهم، وبين دولة فريق واحد هو الشعب اليهودي. وقد ظهر ذلك في وضوح عندما رفضت محكمة إسرائيلية تغيير جنسية مواطن من يهودي إلى إسرائيلي بناء على طلبه. ويوحي ذلك بأن الجنسية الإسرائيلية أو التابعية تنفي عملياً الأساس الذي قامت عليه الدولة (اليهودية). وثالثها لا تزال إسرائيل ومنذ تأسيسها عام 1948 في حال "طوارىء" يجدِّدها "الكنيسيت" سنوياً. وهناك 11 قانوناً و58 أمراً (تنفيذياً) تتعلق كلها بحال "الطوارىء". ورابعها توفير القانون الإسرائيلي الذرائع القانونية لشطب ترشيح أي "مواطن" في الإنتخابات العامة إذا نفى اعتبار إسرائيل دولة الشعب اليهودي. أما خامسها فهو إعطاء دولة إسرائيل المؤسسات الصهيونية مثل "الوكالة اليهودية" و"المنظمة الصهيونية العالمية" و"الصندوق القومي اليهودي" الحق في منح إمتيازات ومسؤوليات ليهود تمس حقوق المواطنين الإسرائيليين غير اليهود. إلى ذلك كله تتضمن الدراسة – الرد أموراً أخرى تثبت لاديموقراطية إسرائيل ويهوديتها "العنصرية"، مثل "عيش" مواطنيها العرب تحت الحكم العسكري مدة طويلة، ومثل إنشاء سبع "قرى" أو مجموعات سكنية (ربما مستوطنات) عربية خلال 60 سنة داخل الدولة في حين أنشىء 700 تجمّع يهودي، ومثل "عيش" 90 ألف مواطن إسرائيلي غير يهودي في عشرات القرى غير المعترف بها، الأمر الذي سيعرِّضها لاحقاً للهدم ويعرضهم للتهجير.
لماذا كل هذا الكلام؟
فقط للقول للإدارة الأميركية إن العمل المضني والناجح لوزير خارجيتها جون كيري أُثمر معاودة مفاوضات بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة إسرائيل. لكنه لن يحمل ثماراً أخرى كالتي يأمل فيها الفلسطينيون وأوباما. وفقط للقول إن الدول العربية نسيت فلسطين بسبب أوضاعها الداخلية الصعبة وبسبب تعرّضها لأخطار كبيرة مباشرة، علماً أنها يوم كانت مهتمة بالقضية كانت عاجزة عن الإنجاز. وفقط للقول إن إهتمام إيران بفلسطين جدي لكنه يغطي في رأي غالبية العرب مشروعاً للسيطرة القومية والمذهبية على قلب المنطقة العربية أو ربما على معظمها. ودفع ذلك العرب إلى نسيان فلسطين عملياً والإلتفات إلى خطر "العجم".
( النهار اللبنانية )