ملفات وزارة التربية والتعليم

في مقالة أمس تم الحديث عن بعض القضايا التي تستحق التوقف والمعالجة من الوزير وفريقه التربوي والإداري، بعضها يمتاز بالسخونة الى درجة الغليان بحيث لا تحتمل التأخير، مثل ملف امتحان التوجيهية العامة، وبعضها يحتاج الى استراتيجيات بعيدة المدى أو متوسطة، ولكن لابد من البدء بالحل منذ اللحظة، وبعضها يحتاج الى تشكيل لجان فنية للنظر والتطوير، أو لجان تفكير أو لجان أزمات ..
أثارت المقالة تفاعلاً من أهل الخبرة والاختصاص، وتفضل بعضهم بالاتصال وإبداء الملاحظات التي تستحق العرض، والاهتمام من أصحاب العلاقة، وبعضها على قدر كبير من الخطورة؛ لما لها من نتائج ومآلات على مستقبل أبنائنا، وعلى مستقبل أهلنا ومجتمعنا، وعلى مستقبل الوطن كله.
من هذه القضايا التي تستحق التوقف: ما يتعلق بعمليات الفرز، والتمييز الهائل بين شرائح الطلبة وشرائح المجتمع؛ من خلال المسار المتعاظم للمدارس الخاصة، التي أصبحت تحل محل التعليم الحكومي، أو التعليم العام الذي يشهد انحدارا ملحوظاً وخطيراً، يهدد المجتمع الأردني ويهدد الشريحة العظمى من المواطنين الأردنيين، حيث يحاول الأغنياء وأصحاب النفوذ النجاة بأبنائهم من هذا المستقبل المظلم، من خلال الذهاب الى المدراس الخاصة!
المدارس الخاصة قادرة على حل مشكلة الفئة المقتدرة التي تستطيع دفع الرسوم والأقساط المرتفعة، التي تفوق مقدرة الغالبية العظمى من السكان، وليس هذا فحسب، بل نجد هناك درجات ومراتب للمدارس الخاصة من حيث الرقي والتجهيزات والامكانيات، والمعلمون الاكفاء، ومن حيث رواتبهم العالية، مما ينعكس على التصنيف الحتمي للطلاب حسب الطبقات ومستويات الدخل، مما يقتضي بشكل آلي تحول هذه المدارس الى «جيتوهات» خاصة بأبناء طبقات محددة؛ يعيشون معاً، ويشكلون معا مجتمعاتهم الخاصة بهم، من حيث الصداقات والعلاقات، ويبقى المهمشون وأبناء الأرياف والمحافظات، و ابناء الأحياء الفقيرة والمخيمات في مدارسهم الحكومية الخاصة بهم؛ يشكلون مجتمعات وعلاقات خاصة بهم! وينشئون ثقافة خاصة بهم كذلك.
وهناك شيء آخر اكثر مرارة، أن هناك مدارس لها سمات من الفرز الآخر القائم على الجهة، او الأصول والمنابت، وأحياناً تحمل سمة الفرز الديني، وهذا نوع آخر من الفرز الأكثر خطورة وتهديداً لوحدة المجتمع وتجانسه، وأكثر خطورة وتهديداً لثقافة التعايش والتصالح والتسامح المطلوبة، ويحول دون الامتزاج الحقيقي لمكونات الشعب الواحد.
ويؤدي الى تباين خطير في الأهداف والغايات الوطنية الكبرى! ويؤدي الى خلق جزر شعبية متباعدة، وخلق حواجز وجدران مرتفعة بين أبناء المجتمع الواحد، ويهدد المرجعية الوطنية العليا؛ التي ينبغي أن تكون واحدة للأغنياء والفقراء معاً، ولسكان الأحياء الفقيرة والراقية، وسكان القرى والمدن والبادية، ضمن إطار ثقافي متقارب ومتشابه.
هناك مدارس خاصة تشبه القلاع والحصون الفخمة والراقية، تحوي أحدث المختبرات والمشاغل، وأرقى الادوات والتجهيزات، وهناك مدارس حكومية متداعية أيلة للسقوط بلا شبابيك وبلا أبواب، وبلا مختبرات ولا معلمين؛ طلابها مضربون عن الدخول فيها بتحريض من اهلهم وذويهم! وهناك دراسة تقول ان نسبة عالية من الطلاب يذهبون الى المدرسة دون فطور! ونسبة اخرى لا يجدون الا الشاي والخبز الحاف المهدد بالفقدان!
هذا التباين يسير نحو الاتساع، ولا نشهد استراتيجية ملحوظة تعمل على تضييق هذه الفجوة الهائلة، وجسر هذه الهوة الاخذة بالتزايد،التي تمثل تهديدا خطيرا يثير الرعب.
( الدستور )