تغييب مرسي كشـرط لزعامة السيسي

تم نشره السبت 28 أيلول / سبتمبر 2013 12:28 صباحاً
تغييب مرسي كشـرط لزعامة السيسي
ياسر الزعاترة

سمعنا مؤخرا عن مكالمتين أجراهما الرئيس السابق (ليس ثمة رئيس لاحق إلى الآن، بل مجرد رئيس مؤقت!!) محمد مرسي مع عائلته، وهما كما يتضح مكالمتان أجريتا تحت رقابة السجان، ولم يخض خلالهما في أي شأن يتعلق بما جرى له، وإن تحدث عن صموده ومتابعته لما يجري، فضلا عن إحضار المحققين إليه وهم معصوبو الأعين كيلا يعرفوا مكان وجوده، الأمر الذي يبرره الانقلابيون بالخوف على حياته!!

للتذكير، لم يحدث مثل ذلك مع الرئيس المخلوع الذي كان الجميع يعرفون مكان وجوده، وكانت هناك جلسات واتصالات وتعليقات، فضلا عن محامين، في حين لا يوجد محام للرئيس مرسي، ولا يُعرف مكان احتجازه، وليس ثمة تصريحات يدلي بها لأي أحد.

خلاصة القول هي ان عزلة تامة تفرض على مرسي لا تقلل من شأنها المكالمتان الأخيرتان، مع أننا لم نسمع مباشرة من أهله أو ذويه، ولا يُستبعد أن تكون قصتهما غير صحيحة، لأن زمن الكذب الذي تعيشه مصر منذ عامين لم يعد يسمح بتصديق أي شيء يأتي من طرف الإعلام الفلولي، أو حتى غير الفلولي إذا كان المصدر من دوائر الانقلابيين.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا هذه العزلة المحكمة التي تفرض على الرئيس المعزول؟ ما ينبغي أن يُقال ابتداءً هو أننا إزاء رئيس عزل بانقلاب عسكري وليس بإرادة شعبية كما يُقال زورا وبهتانا، وبالتالي، فهو ليس مجرما ولا فاسدا يخشى مواجهة الناس، فضلا عن وجود جماهير لا تزال في الشوارع تطالب إعادته، أقله جزء معتبر من الشعب تأكدت قوته وحضوره في 5 جولات انتخابية لا يجد الانقلابيون وأبواقهم أية إجابة مقنعة في تفسيرها، لاسيما أن ما بين آخرها (الاستفتاء على الدستور الذي يجري نقضه هذه الأيام)، وبين الانقلاب فترة محدودة لا يمكن أن يتغير خلالها المزاج الشعبي على نحو دراماتيكي، فضلا عن أن يثبت أن الوضع خلالها كان في طور التحسن، بخاصة على صعيد الاقتصاد كما اعترف الانقلابيون مضطرين مؤخرا.

نحن هنا إزاء زعيم لا يخشى الجماهير، بل يطالب بالحديث إليها لكي يقول الكثير في الرد على ما أورده الذين انقلبوا عليه من حجج ودعاوى، ولذلك فإن تغييبه هو أمر يتم رغما عنه، وليس بإرادته، الأمر الذي يجعل سؤال سبب تغييبه أكثر إلحاحا في عقل الفئات الواعية من المجتمع المصري، والعربي عموما.

السبب الحقيقي لتغييب الرجل هو أنه الوحيد الذي يملك القدرة على الرد؛ وبالتفاصيل والوقائع على الكثير من الهراء والكذب الذي وزعه الانقلابيون منذ 3 يوليو ولغاية الآن، بخاصة ذلك الذي ورد على لسان السيسي (رأس الانقلاب)، والذي رد على أحد افتراءاته بشكل عابر هشام قنديل عندما أكد أن الرئيس قد وافق عمليا على الانتخابات المبكرة، وعلى خريطة الطريق التي عرضها الجيش، وإن بطريقة مختلفة قليلا.

سيكون بوسع الرئيس أن يروي حكايته مع الجيش ومؤسسة الأمن بكل وضوح، وهما مؤسستان وقف رأساهما إلى جانب الانقلاب، بل كانا هما المدبران له بالتعاون مع جهات داخلية؛ والأهم خارجية.
سيكون بوسع الرئيس أن يقول كيف تشكلت حكومة قنديل، وما هي حصة الجيش والأمن فيها، وكيف كان يسترضي الطرفين لكي يمرر المرحلة الانتقالية، ولكي يمضي بالبلاد من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، ومن ثم إلى دولة مدنية لا سلطة فيها للعسكر.

كل ذلك يبدو محظورا إلى حد كبير، بخاصة في هذه المرحلة، لاسيما أن الرجل المستهدف بفضح روايته هو المرشح للرئاسة، وإلى جانبه الرجل الأكثر سطوة في الدولة (وزير الداخلية)، وهذا الذي الرجل (أعني السيسي) يتمتع هذه الأيام بحملة تأليه غير مسبوقة تبدو كما لو أنها تستعيد فرعون في أسوأ تجلياته.

المشكلة هنا تتعلق بمصير مرسي في ضوء هذه المعادلة، وليس فقط بمعادلة ضمان سكوته خلال هذه المرحلة حتى يأتي السيسي رئيسا تحمله أصوات غالبية المصريين (في ظل مقاطعة الإسلاميين، أو بالتزوير)، إذ أن الأهم من سؤال ما إذا كان سيسمح له بعد ذلك بالحديث أم لا، هو ذلك المتعلق باحتمال التخلص منه بهذه الطريقة أو تلك عبر سم طويل الأمد، أو عبر جلطة قلبية مزعومة (سيخرج الطب الشرعي ليقول إنها جلطة عادية كتلك التي تحدث مع كثيرين)، وبالطبع كي يبقى الزعيم الملهم في مكانه العالي كرمز تتوسل إليه الجماهير بأن يحكمها، بينما هو يتدلل ويظهر الزهد على نحو “صوفي”!!

مشهد مثير للقهر والسخرية في آن، لكنه مشهد عابر على أية حال، فسواءً غاب مرسي أم كشف روايته للقضية، فإن فضيحة الانقلاب لن تلبث أن تنكشف بالتدريج، لأن قمع أكبر قوة سياسية في البلاد لن يسفر سوى عن دولة أمنية فاسدة لن يتحملها الناس زمنا طويلا، هم الذين اعتادوا الحرية بعد ثورة يناير.

( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات