تصفية الإقتصاد الأردني الوطني
لا شك بأن الأردن يمر بضائقة إقتصادية والتي تنعكس إرتداداتها بقوة على الحالة المالية والإجتماعية والنفسية للمواطنين وتحتج الحكومة بالوضع المحيط الملتهب وأننا صامدون وكأنه على المواطن وحده التضحية والصمود أمام تلك التهديدات الإقليمية والدولية وبنفس الوقت تسير الدولة في نهج الإسراف بلا مبالاة بزيادة المصروفات التشغيلية لهذا العام مثلا مما يعني أن شعار التقشف غير مطبق فعلياً، كما تتباكى الدولة على الإقتصاد الأردني وبنفس الوقت تسير بنهج يقوم بتصفية الإقتصاد الأردني الوطني (وأقصد هنا الاستثمارات المملوكة للأردنيين فقط) لصالح المستثمرين الأجانب وقلة من الأردنيين المرضيّ عنهم.
ولتقييم نهج حكومة لا بد من الحديث عن أرقام وإن كان غالبيتها تصدر من جهات رسمية والتي تعتبر غير محايدة، وجدلا سنرتكز هنا عليها ونرى مؤشراتها والموقف الإقتصادي الذي نحن عليه وإلى أين تسير الحكومة بنا، فوفقا للبيانات الرسمية فقد ارتفع العجز المالي في موازنتنا العامة لسنة 2013 وللربع الأول منه حيث بلغ 277.4 مليون دينار أردني مقارنة مع 39 مليون دينار للربع الأول من العام الماضي، مما يعني زيادة في العجز ب 6 أضعاف، كما ارتفع مجموع الدين العام على الأردن 2.3% عن العام الماضي ليبلغ 16.969 مليار دينار أردني (حسب قول الحكومة والله أعلم بدقة الرقم) وهذا بعد أن أجهز عقل الدولة العميقة على الشركات الوطنية بخصخصتها بشكل عشوائي وبأسعار تعتبر زهيدة علاوة على شبهات الفساد التي تحوم حول ملف الخصخصة ولكن مازالت الحكومة تسير بهذا النهج بخصخصة قطاع حيوي خطير وهو الغاز دون أن يكون لنا سعر تفضيلي له بل وتأجير مطارنا الدولي والحيوي وتسعى الآن للإصرار على مشروع الطاقة النووية والمشروع الصهيوني الذي ذكره المغضوب بيرتس في كتابه قبل عشرين عام بأنه موصى به في التوراة، هذا بعد فشل الحكومة في إنجاز مشروع صغير بالمقارنة وهو الباص السريع ومشروع سكن كريم وغيرها من المشاريع التي أبدعت الحكومة في فشلها بإدارتها وإنجازها.
أما بالنسبة للنمو الاقتصادي الاردني فقد وصل إلى 2.2% أواخر عام 2012 وإن حصل عليها زيادة طفيفة جدا للربع الأول من هذا العام، إلا أننا نعد بأننا مع الدول المتخلفة في النمو الإقتصادي حيث لم يتخلف عنا عربياً فيه سوى مصر بنسبة 1.8% وسوريا 1.5% والسودان سالب 0.4% وأخيرا اليمن سالب 0.5% لعام 2012م، بينما يصل النمو الإقتصادي لذات العام لموريتانيا 5.7% وجيبوتي 5.1% ، وإن كانت الحكومة تتحدث عن نسبة نمو إقتصادي تقارب 3% لهذا العام إلا أنه يعتبر تباطؤ في النمو الإقتصادي وبالطبع غالبية الشركات والمصانع الضخمة هي أجنبية مثل البوتاس والفوسفات والاسمنت بالإضافة إلى المشاريع الخدمية الأجنبية والصهيونية وحتى المشاريع الصغيرة والمتوسطة فهنالك الكثير منها لأجانب وبالتالي فإن نصيب الإقتصاد الأردني الوطني من هذا الرقم هو أكثر تواضعا.
كما تشير الأرقام الرسمية إلى أن العجز في الميزان التجاري بلغ خلال الثلاثة أشهر الأولى من عام 2012م ما مقداره 3.3 مليار دينار بزيادة في العجز نسبتها 43% مقارنة مع نفس الفترة من العام الأسبق، والرقم في تزايد مما يدعو إلى القلق ، علاوة على ارتفع معدل البطالة بـ 1.4 بالمئة لعام 2012 والرقم في السنة الحالية يتراوح حول 12% على الرغم أن عملية احتسابه لا تعتبر إلا الباحثين عن العمل بشكل رسمي، وعلى كل فالرقم الحالي يعني أن هنالك أكثر من 130 ألف أردني جدد قد انضموا إلى المتعطلين عن العمل لعام 2012 فقط (وفق دراسة عام2012 للدكتوريوسف منصور) علاوة على البطالة المقنعة والرواتب المتدنية التي لا تكفي الموظفين لتوفير المتطلبات الأساسية لحياتهم الإعتيادية فوفقا للإحصاءات الرسمية والدراسة المشار إليها فإن الموظف يعيل 3 أشخاص آخرين وأن 15% من الموظفين (في القطاعين العام والخاص) رواتبهن تقل عن 200 دينارشهرياً وغالبيتهم دون 180 دينارشهرياً، بـل وأن نسبة 52.6% من الموظفين تقل رواتبهم عن 300 دينارشهرياً ويتركز غالبية التوظيف في العاصمة بنسبة 40.5% من إجمالي العاملين علماً بأن حد الفقر 680 دينار شهرياً للأسرة لعام 2008م وبالطبع الرقم بازدياد، ولا شك بأن التباطؤ في النمو الإقتصادي سيعود على القطاع الخاص بالخسائر مما يستدعي حتماً تسريح الكثير من العاملين أو تخفيض رواتبهم.
وبالتنيجة فإن هذه الأرقام الفظيعة تعطي مدى تفشي الفقر والبطالة في المجتمع الأردني ولكن الحكومة لا تحرك ساكناً تجاه هؤلاء ولا حتى خطوة أولى في الإتجاه الصحيح سوى زيادة تعرفة المشتقات النفطية والطاقة ومزيد من تضخم في الأسعار مما يعني تآكل تلك الرواتب والتي هي بالأصل ضعيفة، والذي سيقودنا حتماً إلى إنفجار للأوضاع فأينما ذهب الفقر قال له الكفر خذني معك مما سيجعل موظفي الحكومة للجوء إلى الرشوة العلنية بشكل ستعجز الجهات عن ملاحقتها ومكافحتها كما هو في بعض الدول الأخرى، وبالتالي فإن هذه الحكومة تحديداً قادتنا للسير في نفق مظلم نتيجة الإرتكاز على جيوب المواطنين الغلابة وزيادة الضرائب دون إجراء إصلاحات على القانون والنظام الضريبي بالإضافة إلى التهرب الضريبي والتساهل مع مستثمرين آخرين، فلا يمكن بأن ننهض بالإقتصاد الأردني الوطني (الاستثمارات المملوكة لإردنيين فقط) ولا حتى الإقتصاد الأردني بمجمله، بمثل هذا النهج الحكومي العشوائي أو الممنهج لخدمة مصالح البنك الدولي والشركات الأجنبية الكبرى، ولا أدري آنى للمسؤولين عن هذا الملف أن يدعوا أنهم خبراء إقتصاديين وصيرفة، إذن فكيف أوصلونا إلى هذا الوضع المستمر في التردي ؟!!