فايز الشوابكة : قراءة في مقال الملك بمجلة وورلد بوليسي جورنال الأميركية
المدينة نيوز - خاص - : كتب الأستاذ فايز الشوابكة ، الاربعاء ، قراءة تحليلية في مقال الملك بمجلة " وورلد بوليسي جورنال الأميركية " .
وتالياً نصه :
تعكس مضامين المقال الذي نشرته مجلة وورلد بوليسي جورنال الأميركية في عددها الأخير بقلم جلالة الملك عبدالله الثاني، تحت عنوان «التعددية والوحدة الوطنية: العمود الفقري لأمن الأردن»، إرادة ملكية صارمة إزاء مسيرة الإصلاح، باعتبارها أولوية وطنية وركيزة أساسية لتحقيق الإصلاح الشامل والتنمية المستدامة في مختلف المجالات ليكون الأردن مثالا يحتذى في الديمقراطية والتعددية والعدالة وتكافؤ الفرص.
جاء المقال الملكي رصينا في بنيته، عميقا في دلالاته، دقيقا في تحليله، ثاقبا في رؤاه واستشراف المستقبل، وشكل بطروحاته نهج عمل واستراتيجية يمكن البناء عليها، فالمقال يمثل رؤى ملك ينحدر من سلالة عربية هاشمية صاحبة رسالة ترسخت مع بزوغ نور الإسلام.
فعن مصدر قوة الدولة الأردنية وأمنها، يقول الملك أن ما «تتمتع به المملكة من أمن لم يأت نتيجة قوة كبيرة، ولا مصادر طبيعية ضخمة، بل إن أمننا ينبع من قيم أساسية راسخة لشعبنا، جعلت الأردن حصيناً على مدار عقود من التحديات المستمرة والتغيرات. واليوم، تساهم قيم الوحدة والاعتدال والتعددية والاحترام، في إنجاز إصلاح ديمقراطي توافقي يتجاوز الضغوطات الإقليمية والدولية الاستثنائية. وفي الوقت الذي يسير فيه إقليمنا نحو المستقبل، يبرز النموذج الأردني للتحول الديمقراطي، كنموذج جدير بالدعم والاهتمام».
ويبدد الملك في مقاله الإنطباع الخاطئ الكامن بمقولة أن العالم العربي لا تناسبه الديمقراطية، مبينا أن هذا يشكل انطباعا تاريخيا خاطئا، ولقد سبق وأن أشار الملك إلى ذلك في إحدى الاوراق النقاشية التي نشرها، حيث اكد أن الشعوب العربية من مختلف الخلفيات بنت حضارة عريقة. وفي الأردن، ساهمت العشائر ومختلف مكونات الشعب الأردني من مختلف المناطق ببناء دولتنا القائمة على الاعتدال، والتعددية، وسيادة القانون. وتعود أصول شعبنا الأردني للبادية، وللقرى، وللمدن، وبعضها إلى جبال أوراسيا البعيدة. ولطالما عاش المسلمون والمسيحيون مع بعضهم البعض وباحترام متبادل في وطننا. ومن رحم هذا الفسيفساء، الذي يشكل نسيجنا الوطني، نستمد قوانا وقدرتنا الفريدة، ومن أهمها القدرة على التعامل مع التحديات التي تتطلب التغيير الإيجابي»، وجاء ذكر الفسيفساء هنا لما تمثله من ناحية جمالية وحضارية وتعبيرية للمشهد.
ويرى الملك أن الإصلاح السياسي والاقتصادي يشكل الطريق الوحيد للمضي قدماً، وتوفير الفرص للجميع للمساهمة في عملية التطوير، والمشاركة في النجاح، سيما في ظل تحدي وجود كتلة سكانية «فتية كبيرة، تتمثل بغالبيتها من الشباب والشابات لديهم توقعات عالية طموحة، حالهم حال أترابهم في كل دول العالم. إنهم بحاجة لفرص عمل كريمة، حتى يتمكنوا من تأمين عائلاتهم وتأمين مستقبلهم، ليكونوا بذلك الطبقة الوسطى التي يستند إليها الأردن»، كباقي الدول الأخرى، لأن الطبقة الوسطى هي العمود الفقري لأي دولة تنشد التقدم والتطور، وسبق وأن أشار الملك في إحدى الاوراق النقاشية إلى ذلك، وإن وجود إدارة قوية متمكنة ستساعد في عملية التحول الديموقراطي، والحكومات البرلمانية التي تحدث عنها الملك بحاجة إلى هذا النوع من الإدارات لتكون عونا لهذه الحكومات للقيام بواجبها.
وأضاف الملك «وعندما تشرفت بتولي عرش المملكة الأردنية الهاشمية، قبل خمسة عشر عاماً، عاهدت نفسي أن أساهم بكل ما أوتيت من قوة لجعل الوطن أكثر ازدهاراً وتقدما، وقد كان هذا الأمر يعني لي وبمنتهى الوضوح، أنه يجب أن يصبح الأردن أكثر ديمقراطية أيضاً. وتضمَّن الأسلوب الذي اتبعناه انفتاحاً اقتصاديا متوازنا، ومبادرات اجتماعية - اقتصادية لتوسيع الطبقة الوسطى، المحرك الرئيس للإصلاح السياسي. وعملنا من أجل إيجاد إطار من الشراكة والتكامل، يربط بين القطاع العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني من أجل تحقيق نمو يشمل الجميع وتنمية مستدامة. في حين كُرست جهود أخرى نحو تحسين نهج الحوكمة، وتوسيع المشاركة، وقد تمكنا من شق الطريق، لكن ما زال أمامنا الكثير من العمل الجاد، طامحين وطامعين إلى تحقيق مبدأ الحاكمية الرشيدة بكل معانيها.
وعن الحزبية والحكومة البرلمانية يقول الملك «لقد برزت ثقافة الأحزاب السياسية كقضية محورية. وكان هدفنا ومازال حكومة برلمانية فاعلة تحت مظلة الملكية الدستورية الجامعة، والنظام السياسي النيابي المرتكز للدستور. لكن للحكومة البرلمانية متطلبات عملية عدة، وهي: الأحزاب ذات الامتدادات الوطنية القادرة على وضع البرامج، وإعداد حملات مبنية على قضايا ومواضيع عامة، في أطر برامجية، بغية الفوز بالأصوات، وأن تتشكل كتل برلمانية على أسس حزبية (وهذا ينطبق على الأغلبية التي تشكل الحكومات، وعلى الأقلية التي تعمل كحكومات ظلّ)، وأن تكون الأحزاب قادرة على تطبيق برامج يحاسبها الناخبون على أساسها. وعليه، كان من الضروري أن يتم إرساء أطر وأنماط تفكير جديدة ضمن نظامنا السياسي».
وبين الملك ان «الإصلاح كان بحاجة إلى من يقرع الجرس، وهذا ما فعله الربيع العربي. فقد قمنا بتحديد محطّات إنجاز للإصلاح من أجل مواكبة طموحات شعبنا وتأمين مستقبل بلدنا. لقد أرسينا قواعد التغيير في الدستور، حامي الحقوق والحريات. وعليه، تم تعديل ثلث الدستور بهدف تقوية الضمانات للحقوق والحريات المدنية، وتعزيز الفصل والتوازن المرن بين السلطات. كما تم وضع أطر دستورية جديدة لمسؤوليات الملك، ونصوص إضافية أنتجت محكمة دستورية وهيئة مستقلة للانتخاب، للمرة الأول في تاريخ الأردن.
ويتدرج الملك في مسيرة الاصلاح بالقول «تمثلت المهمة الأولى للهيئة المستقلة للانتخاب بإجراء انتخابات نيابية في كانون ثاني 2013 والإشراف عليها. وبالرغم من محاولات البعض للترويج لمقاطعتها، وصلت نسب التسجيل إلى 70%. وقام مراقبون محليون ودوليون بمراقبة جميع مراحل عملية الاقتراع. وفي يوم الاقتراع، سُجلت نسب مشاركة هي من الأعلى في تاريخ الأردن. والمجلس النيابي الجديد يضم كتلاً نيابية تمثل تيارات وطنية، وإسلامية، ويسارية، وناشطين وقياديين لحركات شعبية. كما أن 61% من أعضاء مجلس النواب هم أعضاء لأول مرة. ويضم المجلس 18 امرأة، 15 منهن فزن بمقاعدهن عبر نظام الكوتا النسائية، و3 فزن بمقاعدهن عن القائمة الوطنية والدوائر المحلية. واضطلع هذا المجلس النيابي بدور للمرة الأولى في تاريخه وهو مشاورته في اختيار رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، وشرع بمناقشة التصويت على الثقة للحكومة الجديدة بكل حيوية وحماس».
وأكد الملك العزم على المضي قدماً في الإصلاح مبينا «فقد سعيت من خلال أربع أوراق نقاشية إلى إطلاق حوار عام حول الخطوات المستقبلية. كما أننا عززنا من ضوابط الفصل والتوازن بين السلطات بهدف حماية التعددية، وجعل العمل السياسي متاحا بشكل متساوٍ أمام الجميع، وذلك عبر إجراءات تحول دون إساءة استخدام السلطة من أجل التضييق على الآخرين أو تهميشهم. والآن، بات من الضروري لثقافة الأحزاب السياسية أن تستمر بالتقدم، وأن يتم تطوير الجهاز الحكومي وتمكينه من أجل دعم الانتقال التدريجي نحو نظام حكومي برلماني مكتمل العناصر. كما لا بد من تدعيم مستوى الثقة الشعبية في المؤسسات العامة (ولهذه الغاية تم تشكيل لجنة للنزاهة الوطنية، ولجنة لتقييم التخاصية، وإجراءات للقضاء المستعجل للنظر في قضايا الفساد، وبما يضمن أن تأخذ العدالة مجراها».
وبين الملك أن من أهم شروط نجاح هذه العملية مشاركة المواطنين، والمقصود بذلك ليس مجرد التعبير عن آرائهم، ولكن الاستماع للآخرين باحترام، بغية الوصول بشكل جماعي لحلول قابلة للتنفيذ لأولويات وطنية مثل إيجاد فرص العمل، وتعزيز مصادر الطاقة والمياه وغيرها. إنني أنظر للمواطنة الفاعلة، كأكثر من مجرد حق، إنها مسؤولية، فهي تشكل جوهر التطور السلمي والأمن والاستقرار. كما أن بناء الثقافة الديمقراطية، المستندة في جوهرها إلى المواطنة الفاعلة، هو صلب المبادرة الأردنية الجديدة «ديمقراطي» التي تهدف لدعم المجتمع المدني، خاصة القادة الشباب والناشطين في المجتمعات المحلية.
وجدد الملك تأكيده «إننا في الأردن نريد إصلاحا لا رجعة عنه؛ إصلاحا مبنيا على التغيير السلمي والمتدرج والتعددية واحترام الآخرين. فمن خلال المضي بشكل حازم نحو خيار الإصلاح، رغم كل التحديات الأمنية المحيطة بنا فعلياً من كل الجهات، وأيضاً عبر إطلاق عملية تحول سياسي غير مسبوقة ترتكز إلى مبادئ إدماج الجميع والمشاركة والتمكين، تمكنا من تدعيم أسس أمننا القائمة على الوحدة الوطنية».
وقال الملك سيمثل نجاحنا نجاحاً للعالم الديمقراطي أيضاً، ويمكن دعم نجاح هذا النموذج عبر ثلاث وسائل: اقتصادياً، ودبلوماسيا، وإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والذي يعدّ القضية المركزية في إقليمنا، وفتيل إشعال التطرف في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك.
وبين الملك أن التباطؤ الاقتصادي العالمي ترك أثراً صعباً على الأردنيين، يمكن استشعاره في الخيارات الصعبة التي يمضي بها الوطن لاستعادة الديمومة المالية. وقد أشادت المؤسسات العالمية بخطتنا الوطنية، والدعم المستمر ضروري لتوفير الفرص وبث روح الأمل، والاستقرار إذ يواجه الناس تجربة التغيير، مؤكدا أن الدعم الدولي ضروري أيضاً للتعامل مع كارثة اللاجئين السوريين الآخذة بالاتساع. فحتى الآن، بلغت نسبة اللاجئين السوريين 10% من السكان، ومن الممكن لهذه النسبة أن تتضاعف مع حلول نهاية العام.
وقال الملك، بوضوح، إن أقوى الاقتصاديات في العالم عاجزة عن مواجهة مثل هذه النسب لوحدها، يضاف إلى ذلك حقيقة أن الأردن هو رابع أفقر دولة في العالم في المصادر المائية، ويستورد 96% من احتياجاته من الطاقة و87% من الغذاء. وعليه، فإن المجتمع الدولي يدرك أنه يجب ألا يترك الأردن وحيداً في تحمل التبعات الاقتصادية والأمنية الهائلة، فقد بات المزيد من الدعم للاجئين حاجة ملحة.
وفي الشأن السوري، أكد الملك أنه لا بد من بذل جهد دبلوماسي نحو عملية انتقال سياسي شامل، والتي تمثل الحل الوحيد القادر على إنهاء إراقة الدماء، والحيلولة دون تفكك سوريا ونمو التطرف، ووقف التداعيات الإقليمية والصراع المذهبي، ومواجهة خطر الأسلحة الكيماوية. لقد نمت جميع هذه المخاطر، كما حذّرت سابقا، بسبب طول أمد النزاع واستمراره. إن العالم لم يعد بإمكانه أن لا يتوافق على حل سياسي انتقالي يشمل الجميع في سوريا.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، اكد الملك ان الأردن في مقدمة الداعين لحل الدولتين، الذي تدعمه مبادرة السلام العربية، والذي يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني، بما ينهي احتلالا تجاوز 46 عاماً، ويوفر لإسرائيل الأمن الحقيقي الذي يستطيع السلام فقط أن يضمن استمراره. وقد جاء استئناف المفاوضات في تموز الماضي شهادة على ما يمكن إنجازه بتوافر قيادة أمريكية بمساندة إقليمية ودولية واسعة. ومن المؤكد أن العملية ستكون صعبة، لكن البدائل، وبكل صراحة، لا يمكن تصورها. وعلينا أن نتذكر هنا أن الإقليم والعالم سيغدوان أكثر أمناً بتحقيق السلام.
وأكد الملك ان التغيير التدريجي والتوافقي والاعتدال والتعددية واحترام الآخرين تمثل أركان التقدّم والتطور والأمن والاستقرار بين الدول وداخلها، وهي قيم يتميز بها الأردن. وبينما تتكشف الأحداث الإقليمية، سنستمر في متابعة مسارنا الإصلاحي، بهدف تأمين المستقبل الزاهر الذي يستحقه شعبنا.
وفي نهاية مقاله قال الملك ان «الأردن يسير على طريق يبلور من خلاله نموذجا ذاتياً يقلب التحديات إلى فرص وتاريخنا شاهد على منعتنا وقدرتنا، كأردن وكأردنيين وأردنيات، على تجاوز التحديات بمرونة، وعلى حقيقة أننا قادرون على إنجاز الكثير بالقليل، وهذا مسار يستحق دعم المجتمع الدولي برمته».
إن تركيز الملك، على مدار العامين الماضيين، على بعض القضايا، يحتم على مؤسسات الدولة المختلفة التقاط هذه الإيماءات الصريحة دون تلكوء وتوظيفها توظيفا يتماهى مع ما يرنو له الملك، بحيث يشعر المواطن في الداخل والمراقب من الخارج أن هناك ادوات تنفيذية تترجم ما يتطلع إليه الملك على أرض الواقع إلى أفعال حقيقية، لا أن يعمل عكس ما يطمح إليه.
ونحن بأمس الحاجة إلى التعاون من قبل جميع مكونات المجتمع الأردني للمحافظة على المؤسسية واحترام القانون، لأن الدولة إذا افتقدت وصفها بأنها دولة مؤسسات وقانون تفقد صفة الدولة العصرية التي يصبوا الجميع إليها.
وتجدر الإشارة إلى أهمية الإعلام والدور الوطني الذي يقوم به، ومن الأهمية بمكان أن تضطلع وسائل الإعلام المختلفة في التركيز على هذه القضايا، بمنهجية إعلامية وطنية صحيحة، بعيدة كل البعد عن جلد الذات والتركيز على السلبيات والعمل على إبراز هذه المتطلبات وصولا إلى نوعية مجتمعية رصينة، والعمل بروح إعلام أردني شامل تسمو فيه مصلحة الوطن بكل ما يمثله من معان سامية لتحقيق الامل والطموح المنشود.
والرسالة الإعلامية الوطنية يجب أن تُؤدى بأمانة وبحرفية مبتعدة كل البعد عن نصائح بعض النخب السياسية التي لسبب أو لآخر تحاول تضليل بعض وسائل الإعلام بمعلومات تجانب الحقيقة أحيانا، وخدمة لأهداف شخصية ضيقة في أحايين كثيرة، غير ملتفتين لمصلحة الوطن وللانعكاسات السلبية التي تتركها لدى المواطن ونظرته لمؤسسات الدولة الرسمية، فالأردن كباقي الأوطان يستحق من أبنائه إعلاء شأنه ووضعه في المكانة التي تليق به دوما. أليس هكذا تُعامل الاوطان؟!