حكومة تستصرخ الخلاص!

ابتهج اللبنانيون بواحدة من اكثر الازمات الغرائبية في الولايات المتحدة التي علقت بفعلها رواتب الموظفين ووجوه مختلفة من انشطة الحكومة الفيديرالية الى حد اطلاق موجة "تنكيت " على الدولة الاحادية العظمى ومساواة ازمتها بازمات لبنان!
ولعلها من المصادفات المفيدة ان ينفجر مع الابتهاج هذا تراشق بما خف حمله وغلا ثمنه من ملفات فضائحية بين وزيرين في الحكومة الذاهبة الى حصد رقم قياسي في تطويل العمر بالقوة وتجاوز آخر الارقام وأكبرها في الازمات الحكومية منذ ما قبل الحرب اللبنانية. انفجار قلَب كثر الشفاه استغرابا حياله في حين ان الغرابة هي في تأخره سبعة اشهر منذ استقالة الحكومة.
واقع الحال اننا لسنا امام انفجار بل تحلل طبيعي وحتمي للحكومة التي لم تعد تقوى على الغطرسة السياسية التي تأبى ترحيلها. غطرسة تسبح عكس الطبيعة نفسها وتستقوي على معاييرها التي جعلت الحكومة المستقيلة تنهار بين ايدي القوى المعطلة لتأليف الحكومة الجديدة. لم يكن الانفجار هذا سياسيا هذه المرة بل على خلفية اعتمال شخصانيات وزارية مفضوحة. ولكن الانفجار السياسي حاصل بدوره من زمان وليس ملف النفط والغاز سوى احد معالمه ايضا، اذ يتداخل فيه ما وصفه بجرأة متناهية وزير السياحة بالخلاف على تقاسم الجبنة بالطموحات السياسية للقبض على وجاهة الامساك بهذا الملف لمدى طويل وحصد المكاسب في شتى الاتجاهات. وهي صراعات بين حلفاء الصف الواحد الذين يخوضون غمار الحسابات المستقبلية فيما لم يعد يجمعهم سوى بقايا الارتباطات بالنظام السوري.
ولكن حتى النظام السوري يمتلك بقايا للاستمرار بفعل عوامل اللعبة الخارجية اقله الى منتصف السنة المقبلة فيما لبنان لم يعد يتحمل لا حكومة مهترئة متآكلة ولا صراعا على تركيبات ووصفات حكومية تجريبية تتساقط تباعا كاوراق الخريف. واذا كان من دلالة لسقوط آخر موجبات الوقار والتحفظ وماء الوجه بين وزراء لا يرعوون عن التراشق بمثل المفردات الشارعية التي تتصاعد في خطاب "مسؤول" ورسمي فمعنى ذلك ان الحكومة المستقيلة نفسها اضحت تستنجد على منعها من الرحيل باعلان انهيار كل ما تبقى لديها من قدرة على الاستمرار في هذا الواقع المخيف.
وغدا سيكون ثمة أسوأ وأسوأ، سواء في استحقاقات مثل تمويل المحكمة الدولية او في ما يضاهيها ويفوقها خطورة في قضايا الناس والمجتمع ولن نتبحر ابعد في اثقال ازمة اللاجئين والنازحين. هذه حكومة تستصرخ القوى القابضة على مصيرها إعتاقها وترحيلها لا اكثر ولا اقل. ولعل الوهم القاتل الذي سيسقط فيه اصحاب السطوة والنفوذ الذي لا يرد هو انهم لم يحسبوا ان انفجارا من دواخلهم سيكون اشد مضاضة وقسوة عليهم من اي تنازل لفتح الباب امام حكومة الحد الادنى الانتقالية الى الاستحقاق الرئاسي.
( النهار اللبنانية 8-10-2013 )