جهاد النكاح الثوري

أكثر ما يدعو للغيظ من تصريحات ومواقف الخصومة العربية العربية أنها تفتقر إلى أدنى معايير الفروسية والفكرية والأخلاق العربية والإسلامية، فبمجرد ما يختلف طرفان يبحث أحدهما عن أحقر صفات البشر لتساعده على إطلاق الإشاعات ضد الخصم، واتهامه بما ليس به أو بما لا يليق حتى بمكانة مطلق تلك التهم، وآخر ما تفتقت عنه شهية شياطين أعداء الإسلام من أهل العرب هو ما يتم تداوله تحت مصطلح جهاد النكاح في سوريا التي تهدف في الأساس لمحاولة قتل الروح المعنوية عند المقاتلين من الجماعات الإسلامية ضد النظام السوري.
تلك التهم الجاهزة والأكاذيب المدروسة تجد بيئة خصبة لدى الجمهور الغبي أو السطحي بعد تجهيزها من قبل فئة إعلامية خبيثة متخصصة في التهويل ونسج القصص الخيالية، وللأسف تتلقفها البرامج الحوارية والقنوات الفضائية الرخيصة ومواقع التواصل الاجتماعي دون أدنى تفكير أو نقد بناء، بينما يضحدها الإعلام الأجنبي الذي يعمل ضمن أسس مهنية لا تقف في صف أحد.
في المقابل لا نجد مثل هذه الترهات والأكاذيب والاتهامات عند الغرب الذي هو في الأصل جهة الخصومة والعدائية للجماعات الجهادية، فطيلة الحرب الأمريكية وحلفائها في أفغانستان ضد مقاتلي القاعدة وطالبان والمجاهدين العرب هناك التي بلغت الثانية عشر من عمرها حتى اليوم، لم يسمع أحد بأن الأمريكان أو أي من حلفائهم اتهم الجماعات الإسلامية هناك بتهم أخلاقية، وتركزت التغطيات الإعلامية للآثار الجانبية على ما بعد سيطرة طالبان على مناطق معينة أنهم طبقوا اللباس الشرعي على النساء، وبعض الإضاءات عن حقوق المرأة في التعليم وغيره.
وفي العودة للإشاعات المبتذلة، لم يكن مصطلح "النكاح" هو الأول ضمن أراجيف وكذب السلطات التي تقمع شعوبها، بل استخدمت ما تسمى بمنظمات حقوق الإنسان العلمانية في مصر مثل تلك الإشاعات، حيث أطلقت الاتهامات بحق المعتصمين في ميدان التحرير في بداية الثورة المصرية، وفي رابعة أخيرا، والأبرز في الاتهامات أن الفتيات يتعرضن للتحرش الجنسي، وبثت القنوات والمواقع المناوئة للإسلاميين أخبارا عن عمليات اغتصاب ضد عدد من الفتيات، بل إحداها تجاوزت ذلك إلى أن هناك اغتصاب جماعي، ومع ذلك لم تظهر فتاة واحدة تقول إنها تعرضت لذلك، ولم تسجل قضية واحدة لتستند عليها الجهات المطلقة لإشاعاتها.
في اعتقادي أن الشرف الجنسي كأهم عامل من عوامل الاحترام والتقديس لدى العرب والمسلمين بات يستخدم كأداة من أدوات الحرب القذرة لطعن الثوار والمناوئين للأنظمة الطاغية، وأسلوب جديد من الأساليب المنحطة التي اهتدى إليها شياطين الأنظمة من وسائل الإعلام والأبواق الأمنية، بهدف تلويث سمعة ونوايا الثوار وبالتالي صرف نظر الجماهير والرأي العام عن الانتصار لقضايا أهل الهمة منهم، وكذلك محاولة تثبيط عزم الثوار وقهقرة روحهم المعنوية، ومطاردة الجهاديين حتى بعد انتهاء المعارك بسنوات.
لذا على الجميع أن ينتبه إلى أن الفضاء المفتوح لمختلف وسائل الاتصال وتبادل المعلومات عن طريق القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية للصحف ومواقع التواصل الاجتماعي قد باتت بيئة خصبة يستغلها المرجفون وأعداء الأمة من أبنائها الضالين، والخصوم الأنذال لبث سمومهم في دماء الكرامة والشرف والمروءة العربية التي لا تقبل قذف المحصنات ولا اتهام البشر بما ليس فيهم، والخطر ليس في تداول هذه الإشاعات والأكاذيب، بل إنها تؤسس لمرحلة ثقافية ملوثة ستأتي على شعوبنا العربية بمستقبل أكثر ظلاما من ظلام الحقبة الدكتاتورية القادمة. فهل هناك عاقل واحد يصدق مقولة وزير الداخلية التونسي الذي عجز عن إثبات كذبته، بل لم ترصد الصحافة العالمية والتونسية أي شكوى أو دعوى تتعلق بهذا الموضوع من أي فتاة أو عائلة، فيما تنشغل منظمات حقوق الإنسان والمرأة والصحافة الاستقصائية الغربية تحديدا، بحالة أو حالتين تتعلقان بقضية تزويج فتاة قاصر من رجل يكبرها بالسن في بلد عربي تعداده ثلاثين مليون إنسان.
ما يدعو للقلق فعلا هو هذا الانشغال بقضايا جانبية ليس لها أي أهمية لدى الدول المعنية في الصراع الدائر في سوريا أو أي بلد عربي، بل إنها تثبت بشكل خاطئ الاتهامات التاريخية التي استخدمها المتطرفون في الغرب، وأعوان الصهيونية وأعداء الإسلام الذين طالما ضخوا الأكاذيب والتخيلات من خلال قنواتهم الإعلامية ضد العرب والمسلمين، واتهامهم بالغريزية الوحشية الحيوانية، فيما ينسى الجميع كل ويلات وضحايا حروب الاستعمار الأوروبي للعالم العربي، أو فتيات اللهو اللاتي كن يستقدمن للجنود الأمريكيين والإنجليز والفرنسيين أثناء حروبهم في الشرق فيما يسمى "رفاهية الجنود"، فضلا عن عمليات الاغتصاب الجماعي ضد نساء العالم الثالث أثناء حروب العالم الحرّ الظالمة، وكذلك يتناسون مافيات الدعارة وبيوتها ونوادي "النكاح الثوري" التي كانت تحت إمرة ورعاية كبار الضباط والقادة الأمنيين في دمشق وبيروت سابقا، وتغمض العين عن جرائم الشبيحة ضد نساء سوريا الشريفات.
( الشرق القطرية 10-10-2013 )