الحاجة إلى حكماء شجعان

شهور طويلة مرت منذ تكليف الرئيس تمام سلام تشكيل الحكومة الجديدة لتحل مكان حكومة "حزب الله"، ولا يزال الوضع عالقا، فلا تشكيل، ولا بوادر تقارب بين موقفي الجبهتين المتقابلتين في لبنان في ما يتعلق بصيغة الحكومة وسياساتها المرتقبة.
في خطابه الاخير اشار السيد حسن نصرالله الى ان المهم هو تركيبة الحكومة، اما البيان الحكومي فيخضع لنقاش ما بعد التأليف. في موقف لاحق اشار رئيس كتلة "حزب الله" محمد رعد الى تطور الموقف ليجمل العنصرين، اي ان الحكومة يجب ان يوافق عليها الحزب على مستويي التشكيلة والبيان الوزاري بمعنى ان يكون متضمنا ثلاثية "الجيش الشعب والمقاومة" وألا تكون مرجعية الحكومة "اعلان بعبدا".
في مكان آخر ثمة من ينقل معلومات من قصر بعبدا عن "ابتكار" جديد قد يكون اقتنع به رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ويجمع بين "الثلاثية " و"اعلان بعبدا " في نص واحد! وفي هذا المعنى يكون الرئيس ( اذا صحت المعلومات) شطب مضمون خطاب عيد الجيش في الاول من آب الماضي. هل المعلومات صحيحة ؟
و في أخر مواقف الرئيس المكلف تمام سلام انه لن يعتذر ولكنه لن يغامر! وهذا يعني ان سلام ينتظر مثل الاخرين ان تفرج التوازنات الاقليمية عن عملية تشكيل الحكومة ليتبين امره في غمرة التحولات الكبيرة التي شهدها الاقليم منذ الحادي عشر من آب الفائت عندما تم استخدام السلاح الكيميائي في غوطة دمشق، ثم القرار الاميركي المعلق بتوجيه ضربة الى النظام في سوريا، فإتفاق جنيف الاميركي - الروسي لنزع السلاح الكيميائي السوري. اضف الى ذلك حملة العلاقات العامة الايرانية الواسعة النطاق التي يقودها الرئيس الجديد حسن روحاني في اتجاه الغرب عموما والولايات المتحدة تحديدا. كل هذه العناصر ربما جعلت من تشكيل الحكومة استحقاقا مؤجلا بنظر الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية. فهل عليهما ان يكتفيا بقراءة المشهد الاقليمي وحده دون الالتفات الى حال الاهتراء التي يعاني منها لبنان، ولا سيما مؤسساته الرسمية المستتبعة اليوم بشكل شبه كلي لـ"حزب الله"، وفي الوقت الذي يتم فيه نهب البلد بشكل منهجي على يد الشركاء في الحكومة، ويتم التحضير لاكبر عملية نهب في التاريخ اللبناني عبر المسارعة في التوقيع على عقود في مجال التنقيب عن النفط والغاز تفوح منها رائحة الفساد الى حد يزكم الانوف.
ان تشكيل الحكومة الجديدة يحتاج الى رجلين. تمام سلام وميشال سليمان. وهما مسوؤلان عن هذا الاستحقاق الدقيق. واذا كانا يملكان قدرا كبيرا من الحكمة، إلا اننا نرى ان الحكمة وحدها لا تكفي، فرجال الدولة يحتاجون احيانا الى شجاعة اتخاذ القرارات مهما كانت صعبة. لا يجوز ان يستكين سليمان وسلام الى ما يتلقيانه من اشارات خارجية تؤخر في قيامهما بواجبهما التاريخي ألا وهو انقاذ الدولة اللبنانية من براثن "حزب الله". حان الوقت لوقفة شجاعة ولقرار بتشكيل الحكومة ايا تكن الاعتبارات بلا خوف. ان التاريخ يعلمنا انه في كثير من الاحيان يكون من المستحيل الرجوع عن الاستسلام او الخضوع.
( النهار اللبنانية 11-10-2013 )