الإفتاء: الأضحية عن الاموات يصل ثوابها اليهم
المدينة نيوز:- قال أمين عام دائرة الإفتاء العام محمد الخلايلة أن الأضحية هي ما يذبح من النعم تقرباً إلى الله تعالى من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق مشيرا الى ان مشروعيتها ثبتت بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين:أما القرآن فقوله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) الحج/36. وقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر/?. وعلى أشهر الأقوال في تفسير الآية أن المراد بالصلاة: صلاة العيد. وبالنحر: الضحايا (انظر: الشربيني، مغني المحتاج 6/122).وقال ابن كثير في تفسيره: قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن: "يعني بذلك نحر البدن ونحوها. وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والربيع وعطاء الخرساني والحكم وسعيد بن أبي خالد، وغير واحد من السلف (تفسير ابن كثير 8/503، وانظر: تفسير القرطبي 20/194).
وأما السنة فقد روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شيءٍ).
وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: ضَحَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا.
وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أيامنا هذه على مشروعية الأضحية ولم يخالف في ذلك أحد.
وعن حِكْمة مشروعية الأضحية قال انه يجب على المسلم أن يعلم أنه بالأضحية يمتثل أمر الله تعالى، وأنه يؤدي عبادة تزيده من الله تعالى قرباً، وعن النار بعداً.
وأضاف أن للأضحية حِكَم جليلة ومعان سامية ومنها:إحياء سنة إبراهيم عليه السلام: حيث امتثل أمر الله تعالى عندما أمره سبحانه بذبح ولده إسماعيل، ونجح إبراهيم عليه السلام في الامتحان، وعندما همَّ بذبح ولده، أنزل الله تعالى كبشاً فدى به إسماعيل وأمره بذبحه بدلاً عنه. قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) الصافات/102-107.
فذهبت الضحية سنة إلى يوم الدين، وها هم المسلمون يضحون بأموالهم ويتقربون بها إلى الله تعالى إحياء لهذه السنة العظيمة.
وقال ان الاضحية توسع على الناس يوم العيد وأيام التشريق: فمن حكم الأضحية أن يوسع المسلم على أهل بيته وجيرانه وأقاربه والفقراء في هذه الأيام؛ ذلك أن المسلم يندب له أن يأكل من أضحيته ويتصدق منها على الفقراء ويهدي منها لجيرانه الأغنياء؛ وبذلك يعم الخير المجتمع جميعاً. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أيَّامُ التَّشْرِيقِ أيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) رواه مسلم.
وقال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) الحج/??، وهذا الخير يشمل خيري الدنيا والآخرة.
وعن حكم الأضحية قال الخلايله أن الأضحية سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم على القادر، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ؛ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئاً) رواه مسلم.
وروى البيهقي وغيره بإسناد حسن أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يرى الناس ذلك واجباً.
وذهب الإمام أبو حنيفة والإمام مالك في قول إلى أن الأضحية واجبة على المسلم الموسر المقيم في بلده، وعلى هذا القول من اجتمعت فيه الشروط ولم يضحِّ؛ فهو آثم.
واستدلوا بقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر/?. فكلمة: (وَانْحَرْ) فعل أمر، والأمر يدل على الوجوب، واستدلوا كذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ؛ فَلا يَقْرَبَنَّ مُصَلاّنا) رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم. والذي نميل إليه أن الأضحية سنة مؤكدة على المسلم القادر، والله تعالى أعلم.
وفيما يتعلق بما يشرع الأضحية به قال لا تصح الأضحية إلا من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم. قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ) الحج/34. ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنه ضحى بغير ذلك.
واضاف ان أفضلها الإبل ثم البقر ثم الغنم، وتجزئ الأضحية من الإبل أو البقر عن سبعة؛ فقد روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.
وعن شروط الأضحية بين الخلايلة انه يجب أن تتوافر الأسنان المطلوبة شرعاً، وهذا يختلف باختلاف نوع الأضحية: فيشترط في الإبل أن تتم خمس سنوات وتَطْعُنَ -بِضَمِّ الْعَيْنِ: أيْ تَشْرُع- في السادسة، ويشترط في البقر أن تتم سنتين وتطعن في الثالثة.
واكد انه يشترط في المعز أن يتم سنتين ويطعن في الثالثة، والضأن أن يتم سنة ويطعن في الثانية. وقد أجاز بعض العلماء في المعز أن يتم سنة ويطعن في الثانية، وأجاز الحنفية وفي قول عند المالكية التضحية بالضأن إذا أتم ستة أشهر وكان سميناً عظيم اللحم.
وعن سلامة الاضحية من العيوب بين الخلايله أنه يشترط في الأضحية أن تكون خالية من كل عيب يسبب نقصاناً في اللحم؛ لما روى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء التي لا تنقي) رواه أبو داود والترمذي وصححه. وهذه العيوب هي:
أما العرج البين: فلا تجزئ الشاة العرجاء التي اشتد عرجها بحيث يمنعها من المشي والذهاب إلى الرعي وطلب الطعام مما يؤثر في نقصان لحمها. وأما العرج الخفيف الذي لا يمنعها من طلب الرعي فلا يؤثر في جواز الأضحية.
اما العور البين: فلا تصح التضحية بالشاة أو البقرة أو البدنة التي فقدت إحدى عينيها بحيث لا تبصر بها، وأما الإصابة الخفيفة في إحدى العينين التي لا تُفقدها الإبصار بها فلا تمنع من جواز التضحية.
وكذلك المرض البين: فالشاة المريضة مرضاً ظاهراً يمنعها من الأكل والحركة لا يجوز التضحية بها، ومن المرض البين الجرب الذي يفسد اللحم.
اما العجفاء التي لا مخ في عظامها: فلا تجزئ التضحية بالعجفاء التي ذهب مخ عظامها من شدة الهزال والضعف. وضابط العجف غير المجزئ هو الذي يفسد اللحم بحيث تأباه نفوس المترفين في الرخاء والرخص.
واضاف بأن هذه العيوب المذكورة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويقاس عليها كل عيب يتسبب في الهزال وإنقاص اللحم.
وقال أن الشاة المجنونة لا تجزئ التضحية بها، وكذلك مقطوعة الأذن، وأما إن كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة فلا يضر ذلك وتجزئ التضحية بها.
وأما الجماء أو الجلحاء: وهي التي لا قرن لها فإنها تجزئ في الأضحية، وأما كسر القرن فلا يضر وإن دمي إلا إذا أدى إلى فساد اللحم.
وعن وقت الأضحية بين بأنه يدخل وقت الأضحية إذا طلعت شمس يوم عيد الأضحى ، وهو العاشر من ذي الحجة- وارتفاعها قدر رمح ثم مضي قدر ركعتين خفيفتين وخطبتين خفيفتين، ثم يستمر حتى غروب شمس آخر أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة. قال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ، وَفِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبَحٌ) رواه البيهقي وابن حبان. ويكره الذبح ليلاً.
وأشار الى أن أفضل وقت لذبحها بعد الفراغ من صلاة العيد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شيءٍ) متفق عليه.
اما فيما يتعلق بالانتفاع بالأضحية فقال ان الأضاحي نوعان المنذورة وأضحية التطوع،أما الأضحية المنذورة فهي واجبة؛ فلا يحل لصاحبها أن يأكل شيئاً من لحمها أو شحمها ولا لأحد من أهله الذين تجب عليه نفقتهم ولا الانتفاع بشيء من جلدها أو شعرها أو أي شي منها. فإن أكلوا شيئاً منها وجب عليهم التصدق بمثله أو بقيمته.
اماأضحية التطوع فيجوز للمضحي أن يأكل من لحمها ويتصدق على الفقراء ويهدي الأغنياء. والواجب أن يتصدق ولو بجزء يسير منها, والأفضل أن يأكل منها للبركة وخروجاً من خلاف من أوجبه.
ورأى بعض العلماء أن الأفضل أن يُقسِّمها أثلاثاً: يتصدق بثلثها على الفقراء، ويأكل أو يدخر ثلثها له ولأهل بيته، ويهدي ثلثها للأصحاب والجيران وإن كانوا أغنياء.
ويجوز للمضحي أن ينتفع بجلد الأضحية وشعرها ووبرها وصوفها، ويجوز أن يتصدق به، ولا يجوز له أن يبيعه أو يعطيه أجرة للجزار.
وفيما يتعلق بسنن وآداب الأضحية فقال الخلايله بأنه يُسَنُّ لمن أراد أن يُضَحِّي أن يمسك عن إزالة شيء من شعره أو أظافره إذا دخلت عشر ذي الحجة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ؛ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئاً) رواه مسلم. ومن فعل شيئاً من ذلك فلا إثم عليه.
كما يُسَنُّ للمضحي أن يذبح الأضحية بنفسه، فإن تعذر ذلك فليشهد ذبحها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: (قومي فاشهدي أضحيتك؛ فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها) رواه البيهقي في سننه والطبراني في معجمه، وفي إسناده مقال.
أما الاضحية عن الميت فأكد الخلايله بأنه لا شك أن الأضحية عن الميت من المسائل التي اختلف فيها العلماء، والذي نراه أن الأضحية عن الميت جائزة، وهذا مذهب الحنابلة، وبه قال العبادي من الشافعية، وهو اختيار ابن تيمية، ونُقِلَ عن بعض المالكية والحنفية.
وعقد أبو داود في سننه باباً سماه: (باب الأضحية عن الميت) روى فيه عَنْ حَنَشٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ؛ فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ.
وروى أبو داود أيضاً عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، بِاسْمِ الله والله أَكْبَرُ) ثُمَّ ذَبَحَ. ومن المعلوم أن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من هو ميت، وقد جعلها صلى الله عليه وسلم لكل أمته.
وبين بأن النصوص الشرعية الدالة على وصول ثواب الأعمال للأموات قد تضافرت، ومن ذلك جواز الصوم عن الميت إذا مات وعليه صيام، وكذلك جواز الحج عنه، وقد ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة؛ فإذا كان الصوم -وهو عبادة بدنية- والحج -وهو عبادة بدنية مالية- يصل ثوابهما إلى الميت؛ فإن الأضحية من باب أولى يصل ثوابها إلى الأموات، ثم إن العلماء أجمعوا على وصول ثواب الصدقات إلى الأموات، والأضحية من جملة الصدقات ولا تخرج عنها؛ لهذا كله فإنا نرى جواز الأضحية عن الميت.