فابيوس ليس "أحسن" من كوشنير!

تردّد، بعد اجتماعات عقدها النائب عن "حزب الله" علي فيّاض مع مسؤولين في باريس أخيراً، أن الإدارة الفرنسية تفكّر في استضافة حوار لبناني – لبناني على أرضها آملة في أن يحقق نوعاً من التفاهم بين الأطراف المتصارعين في لبنان، وفي مقدمهم فريق 8 و14 آذار، على كثير من القضايا المختلف عليها، الأمر الذي من شأنه الانعكاس إيجاباً على الاستقرارين الأمني والسياسي المتزعزعين في استمرار والقابلين للانتهاء جراء التطورات المرتقبة في أوضاع سوريا. وبدا قبل يومين أن فكرة الحوار المشار إليه جدية رغم أن قراراً نهائياً بالدعوة إليه واستضافته لم يتخذ حتى الآن من المسؤولين الفرنسيين، ورغم أن هؤلاء لم يباشروا استمزاج اللبنانيين حوله من رسميين وسياسيين. وقد عكس ذلك جواب وزير الخارجية لوران فابيوس قبل يومين رداً على سؤال صحافي حول هذا الأمر، وإن كان مقتضباً.
هل تدعو فرنسا فرنسوا هولاند ومعه لوران فابيوس إلى مؤتمر حوار لبناني – لبناني في عاصمتها؟
إذا أقدمت على هذه الخطوة تكون فرنسا لم تتعلَّم شيئاً من تجربة حوارية سابقة لها مع اللبنانيين وفي ما بينهم. ففي ولاية رئيسها السابق نيكولا ساركوزي، دعا وزير الخارجية برنار كوشنير ممثلين لـ8 و14 آذار وشخصيات مستقلة إلى حوار في مدينة "سان كلو"، فاجتمعوا وتحاوروا أو تساجلوا، ولكن بهدوء التزاماً بآداب الضيافة، ثم عادوا بعد أيام إلى بلادهم ليس فقط من دون أن يتفقوا على حلول للمشكلات في ما بينهم، بل أيضاً من دون أن يتفقوا على أسس جدية لمتابعة حوارهم داخلها. علماً أن الدعوة إلى هذا الحوار الفاشل كانت مفهومة في حينه أو ربما مبررة لأن الأوضاع في لبنان كانت أفضل وعلى تعاستها وبما لا يقاس من الأوضاع الحالية. ففي تلك الفترة لم تكن الثورة الشعبية السلمية السورية قد اندلعت، ولم تكن تحوّلت حرباً أهلية – مذهبية بفعل قمع نظام الأسد لها، ثم بفعل عجز "ممثليها" السياسيين والعسكريين عن الوحدة في ما بينهم، وأخيراً بفعل عدم امتلاك الدول العربية خططاً جدية لفرض حلول تعيد الأمن وتحفظ وحدة سوريا وحرية شعبها وكرامته، كما بفعل تردُّد بعض المجتمع الدولي بسبب مصالحه على الأرجح في مساعدة الثوار وإقدام بعضه الآخر على مساعدة "النظام" بقوة بسبب مصالحه أيضاً. أما الآن فإن لبنان صار جزءاً من الحرب الأهلية – المذهبية مباشرة ومداورة، وصارت مشكلاته العصية على الحل قبلها أكثر استعصاء عليه بعدها. فهل تستطيع فرنسا إقناع الأفرقاء اللبنانيين وغالبيتهم الساحقة صارت جزءاً من الحرب في سوريا بالحوار الناجح؟ وهل تمتلك من الوزن والنفوذ والإمكانات ما يجعلها قادرة على فرض الحلول عليهم؟ والجواب هو طبعاً كلا. ففي ولاية ساركوزي ظن كوشنير، وقد عمل بجد في مهمات إنسانية داخل بلاد تعيش ظروفاً صعبة وحروباً وحقق نجاحات، أنه يستطيع القيام بالشيء نفسه في لبنان. لكنه عملياً لم يكن يعرف لبنان وكان، ربما مثل كل الفرنسيين، مبالغاً في إمكاناته وقدراته. والآن وفي ولاية هولاند لم يتغيَّر شيء. إذ لا يزال طموح فرنسا أكبر من إمكاناتها، وربما لا يزال في تقويمها السياسي للأوضاع في مناطق عدة من العالم بعض السذاجة أو ربما الخطأ وهو أمر بشري. وعلى رئيسها أن يعرف قبل أن يبادر حوارياً في لبنان أنها ليست مالي على صعوبة وضعها التي لا تزال قائمة رغم "الانتصار النابوليوني" الذي حققه فيها، والذي يأمل العالم في أن يكون نهائياً. وعليه أن يعرف أيضاً أن حوار "سان كلو" تناول على نحو غير مباشر الصيغة الحالية للبنان، وعلى نحو أقلق قسماً مهماً من شعوبه. فهل سيتناول حوار آخر بدعوة من إدارته الصيغة أيضاً وخصوصاً بعدما صار واضحاً أنها صارت قريبة من انتهاء مدة صلاحيتها؟ وهل المنطقة بدولها التي تشهد حروباً وأزمات، ودولها السائرة نحو حروب وأزمات، جاهزة الآن لحلول نهائية للكيانات والأنظمة وللصيغ؟ كما عليه أن يعرف أخيراً أن رئيس جمهورية لبنان لن يقبل حواراً يطيح قرارات الحوارات السابقة سواء التي دعا إليها هو أو غيره وفي مقدمها "إعلان بعبدا" ذي البنود الكثيرة، وإن دعت إليه فرنسا. ذلك أنه سيوفر الفرصة، للذين عادوا عن موافقتهم على "الإعلان" المذكور أو للذين يقولون أنهم لم يوافقوا عليه، للتخلص من كل القرارات الحوارية التي لم تُنفَّذ، ولكن من دون أن يؤدي "حوارهم الفرنسي" إلى نتائج بدوره.
( النهار اللبنانية 2013-10-25 )